مقالات

الدولة والأمن …الإمكانية والواقع…

لحج الغد / عهد خريسان

السبب هو إمكانية النتيجة والنتيجة بدورها هي واقع السبب وموضوعه الجوهري فعلاقة السبب بالنتيجة علاقة ديناميكية في إتجاه واحد فكل سبب يفضي إلى نتيجة وكل نتيجة بدورها قد تكون سبباً لنتيجة أخرى وهكذا … ولا يمكن عكس التفاعل فعلى سبيل المثال يكون التلقيح سببآ للإخصاب والإخصاب سببآ لتشكيل الجنين لكن عكس التفاعل لا يكون أبدآ وهكذا دواليك …

طبعآ لا تقتصر شرطية السبب وسببية النتيجة على التطورات البيولوجية فقط ولكنها تمتد إيضآ في التفاعلات الإجتماعية على نطاق واسع وتشرح غائية التشكيلات الإجتماعية وعلاقتها إبتداء من الأسرة وصولآ إلى الدولة والأمة وكذا علاقة القيم الذاتية بها كالوطنية والأممية والقومية وكذا الهوية والإنتماء والأمن الإجتماعي ….الخ

وسأتطرق أولآ إلى جدلية الدولة والأمن كمثال فهل سينطبق عليها شرطية السبب وفعلية النتيجة ؟!

بالطبع لا !!! لماذا ؟!

لعدم وجود التجانس المادي بينهما فالدولة كيان مادي والأمن قيمة ذاتية وفي هذه الحالة يجوز عكس التفاعل في الحالتين فنقول بإن الأمن سبب والدولة نتيجة أو الدولة سبب والأمن نتيجة لكن إذا أخذنا كيانين ماديين كالمجتمع والدولة فنقول بإن المجتمع هو سبب لنتيجة الدولة بينما العكس غير صحيح فالمجتمع قائم حتى في غياب الدولة كإطار مادي لها فقد تشكلت المجتمعات البدائية ونجحت في الحفاظ على نفسها حتى في غياب الدولة …

إذآ فلأمن هو (قيمة تتشكل في الوعي البشري وتنعكس كسلوك منظم يقوم على أساس الحقوق والواجبات ) وهو ما يعبر عنه ماديا بإسم (( القانون))

لكن بما أن القانون ((مادي)) والأمن ((قيمة ذاتية )) فلا يمكن تطبيق جدلية السبب والنتيجة بسبب أن القيمة الذاتية مطلقة ((الأمن)) بينما القيمة المادية نسبية ((القانون)) ولا يمكن إشتراط النسبي،على المطلق فلا يقال بتعبير دقيق بإن القانون سبب والأمن نتيجة أو العكس فدول العالم كلها تمتلك قوانين ومع ذلك تظهر فيها مظاهر الخلاف والتي تتسع أحيانا إلى حروب لذلك يتعذر تأطير القانون والأمن ضمن جدلية السبب والنتيجة وكذلك الدولة والأمن لكن يمكن تأطيرهما ضمن جدلية أخرى تجمع بين النسبي والمطلق وهي جدلية ((الواقع و الإمكانية))

فإمكانية تطبيق القانون يؤدي إلى واقع الإمن و كذلك إمكانية الأمن تؤدي إلى واقع الدولة والعكس صحيح وعلى هذا النمط تقاس الأشياء فمفهومي النضال النسبي والحرية المطلق إمكانية تحقيق النضال يقود إلى واقع الحرية المطلقة وكذا مفهومي المبادى فالمبادى مطلقة والذوات نسبية في إلتزامها بتلك المبادى وتطبيقها وعليه نقول (( جدلية السبب والنتيجة يتعذر معها شرح العلاقة بين المبادى و الذوات فلا الأشخاص سببا دائما للمبادى ولا المبادى صفة دائمة للأشخاص و إنما توصف بجدلية الإمكانية والواقع فإمكانية إلتزام الأشخاص بالمبادى تؤدي إلى واقع وصفهم بها ..

إن سبب تقديس الذوات وتعبيد البشر لها وشخصنة المنجزات هو ناتج عن عدم الوعي بحقيقة السببية الشرطية لنتيجة المطلقة وبين الإمكانية النسبية للوصول إلى الواقع المطلق وهذا يجعلنا نرفع الكثير من البشر إلى درجات التقديس بينما يتضح لنا فيما بعد بإنهم ليسوا إلا مجرد لصوص والحديث الشريف يبين لنا بإن العبرة بديمومة العمل المستمر للوصول إلى الحقيقة المطلقة وليست العبرة بالتأثير المرحلي المنقطع فقد قال علية الصلاة والسلام (( وإن الرجل ليعمل بعمل اهل الجنة حتى يكون بينه وبينها كتاب فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها )) .

الثلاثاء18يوليو 2017