النزوح وما وراء النزوح

لحج الغد – قاسم عبد الرب النقيب
أعلنت الشرعية وعلى الهواء مباشره وعبر أحد قادتها في بداية الحرب، بأنها لن تسمح بتنمية الجنوب المحرر وستمنع عنه الدعم الواجب القيام به حتى لا يتقوى فيه الاتجاه الانفصالي، مثل هذا الإجراء العنصري لم يكن وجهة نظر فردية من قبل قائد سياسي طائش لا يفهم ألف باء السياسة، بل كان سياسة معتمدة من قبل الشرعية والدليل بأنه لم يلفت انتباه أحد من الإقليم والعالم ولا الأمم المتحدة التي شاهدناها تتماهى معه عبر منظمات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب، أما بالنسبة للشرعية فقد بدأت تنفيذها على أرض الواقع بدعم خارجي تبادلت فيه الأدوار مع المنظمات الدولية، ففي جزئية النزوح الذي تحول في الجنوب من نزوح إنساني إلى نزوح سياسي تحول النازحون إلى طبقة متميزة عن السكان الأصليين الذي تمارس عليهم سياسة التفقير والتجويع والتعطيل التدريجي الممنهج للخدمات حتى وصلت إلى نقطة الصفر، حيث تحولت عدن والمدن المجاورة لها لأول مرة في تاريخها منذ أكثر من قرن من الزمان إلى مدينة تسبح في الظلام لأيام متتالية.
اليوم يتفاجئ الجميع بأن الأمم المتحدة توقع اتفاق مع الرأسمال اليمني الخاص إلى تبني توطين النازحين في مناطق الجنوب، هذا الأمر يستدعي إلى التوقف مليا كيف للأمم المتحدة أن تخالف ميثاقها الأممي في تحويل العمل الإنساني إلى عمل سياسي تقف مع طرف في الصراع ضد طرف سياسي آخر استباقا للتسويات التي يفترض أن تتم وفق المعايير المعترف بها دوليا؟ ولماذا الجنوب يجري فيه التوطين بينما في مأرب يذهب النازحون إلى مخيمات خارج المدن؟ ولماذا التوطين في هذه الفترة وبعد توقف الحرب منذ سنوات وبعد أن أصبحت مناطق النزوح أكثر أمنًا بدليل أنهم يغادرون مناطق نزوحهم في عدن والمناطق الجنوبية الأخرى في الأعياد والمناسبات الدينية دون أن يتعرضوا لأي أذى من أي جهةٍ ولم تتضرر منازلهم وممتلكاتهم لأي دمار من جراء الحرب؟ وهل هذا العمل وراءه أجندات سياسية يجري تحت غطاء النزوح ومن خلاله تحويل جزء من سكان الشمال للتوطين بشكل رسمي وبمباركة دولية لإجراء تغيير ديموغرافي على جغرافية الجنوب؟ وكيف سيتم تعريف النازح هل سيشمل كل سكان الشمال بحيث سيتم توزيعهم على محافظات الجنوب لملئ الفراغ في المناطق الشاسعة في مناطق النفط أو سيتم في مناطق محددة؟ كيف سنفهم تحويل كتل سكانية شمالية تحت مبرر توطين النازحين إلى المناطق الجنوبية؟ من تخدم هذه السياسية؟ وما هي الأبعاد الاستراتيجية لمثل هذه السياسة في مضمار الأمن القومي العربي؟ علمًا بأنه مع نقل الكتل السكانية سيشمل نقل كل ما يمثلوه من مذاهب دينية وثقافات وعادات وتقاليد وغير ذلك في أرض لها مذهبها الديني الواحد والثقافة الواحدة وكذا العادات والتقاليد الواحدة.
لأول مرة في التاريخ يجري نقل سكان من مناطقهم دون حروب تحت مسمى نزوح وتوطينهم تحت غطاء وموافقة أممية. ماذا جرى للأمم المتحدة وهي تخالف قوانينها المعتمدة وتذهب لتنفيذ أجندات سياسية ضد شعب أعزل وأمن لا حول له ولا قوة وهي تعرف أن حروبا جرت سابقا بين الشمال والجنوب بسبب الوحدة السياسية الفاشلة والتي يصر طرف تحقيقها بالقوة المسلحة فشعاره الوحدة أو الموت، كيف تقف الأمم المتحدة مع الموت وترفض حياة شعب بأكمله؟ كيف تناقض قراراتها التي اتخذتها بحرب صيف عام 94م ( 924 و931)؟ كيف تمنع شعب من الحرية بعد أن استطاع أن يحقق انتصار شهد له العالم في حرب 2015م وفي صد غزوة خيبر 2019م التي كانت تستهدف إسقاط عدن؟ وكيف تتجاهل عشرات الآلآف من الضحايا بسبب هذه الوحدة التي يصر أصحابها بأنها معمدة بالدم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها مطلوب من الأمم المتحدة إعادة النظر في سياساتها والنظر إلى نفسها بمرآة القانون الدولي والتي أؤتمنت عليه في تحقيق السلم والأمن الدوليين.
مع الأسف، سيضع هذا الاتفاق مصداقية الأمم المتحدة على المحك وسيخلق صراع جديد سيخوضه شعب الجنوب يسمى صراع وجودي لأنه بهذا الاتفاق سيخل بالمعادلة السكانية لشعب الجنوب وسيتحولون إلى أقل من الأقلية السكانية، وهذا يعتبر من أشد أنواع العنصرية وحرب الإبادة ضد شعب الجنوب.
همسة للسياسيين الجنوبيين والنخب الجنوبية شرعية ومعارضة وقوى قبلية ومدنية وغيرهم، أنتم اليوم على المحك أما أن تقفوا مع شعبكم للحفاظ عليه من الاندثار والضياع فلا عذر لأحد منكم فالطرف الآخر رمى كل خلافاته وتناقضاته جانبا وأصبح متحد حول نظرته إلى الجنوب كفرع يعود إلى الأصل. واعد العدة لتمرير هده السياسة وقدر أن يطوع الإقليم والعالم للحصول على موافقته، فالكرة الآن في ملعبكم فالأمر تجاوز حد الخلاف السياسي إلى حد التهديد الوجودي في الحياة.
لا اعتقد بأن شعب الجنوب سيقيل هذه السياسة التي تنفذ من طرف واحد وعلى أرض الجنوب، بينما في مناطق الشمال لا يسمح للنازح إلا أن يعيش في خيمته داخل معسكر محاط بالأسلاك الشائكة.