مجلس القضاء الأعلى .. من سلطة قضائية إلى أداة في يد جهاز المخابرات
مجلس القضاء الأعلى .. من سلطة قضائية إلى أداة في يد جهاز المخابرات
يثبت مجلس القضاء الأعلى التابع لسلطة صنعاء معادلة التحولات التي يتحدث عنها علماء الفيزياء، حيث بمقدوره أن يتحول إلى كل شيء، حتى إلى قسم شرطة، وأن يضع نفسه على قدم المساواة مع ما يلقى على عاتق ذلك القسم من مهام وتكاليف، وأن يخلع رئيس المجلس قاوقه بعد الظهر ويخرج في دورية عصرية لتعقب “المهاوزين” في شارع جمال.
فأعلى مؤسسة قضائية في ظل سلطة صنعاء تحدث لها تلك التحولات دون أن تشعر بشيء من خجل أو امتهان. فمثلا أن يعتقل جهاز المخابرات قاضيا منتسبا بطريقة أو بأخرى إلى مجلس القضاء الأعلى ذاك، أو يفترض بأنه يمثله، مسألة لا تستحق في نظر ذلك المجلس أدنى التفاتة.
بل على العكس ربما ينظر إليها من وجهة نظر جهاز المخابرات فيتبناها تماما. بالضبط كما حدث في قضية اعتقال القاضي عبد الوهاب قطران.
فبعد أربعين يوما من اعتقال قطران وبقائه في سجن جهاز المخابرات والأمن، يأتي المجلس ليجتمع اجتماعا استثنائيا ويقرر نزع الحصانة القضائية عن قطران. لماذا؟ لأن جهاز المخابرات هكذا طلب، وبالتالي على مجلس القضاء الأعلى أن ينفذ. المشكلة المخجلة، إن كان ثمة من شعور بالخجل، هي أن الحيثيات التي ذكرها المجلس كسبب لإسقاط الحصانة عن قطران هي نفسها التهم التي لفقها ضده جهاز المخابرات، والتي سيضطر إلى إسقاطها عندما يقوم بالإفراج عنه، وإلا على أي ضوء قام بالإفراج عنه؟! لكن المجلس برئيسه وأعضائه لا يبدو أنهم في صدد الحرج من انجرارهم ذاك وراء جهاز المخابرات. فلتسقط حصانة قطران ولتسقط معها سمعة المجلس واستقلاليته وهيبة القضاء وأجهزته في سبيل التماهي مع نزوات السجان. فالسجان هو الآمر وبالتالي مجلس القضاء الأعلى هو جهة تنفيذية لرغبات ذلك السجان ونزواته وأوامره.
بحسب القانون، فإن مجلس القضاء الأعلى هو السلطة الإدارية العليا المختص بشؤون السلطة القضائية. وله سلطة أساسية في إدارة وتشغيل نظام المحاكم.
يغدو الأمر مربكا حين يغدو تلك السلطة جهة تنفيذية تقدم خدماتها لجهاز الأمن والمخابرات، والذي يبدو أنه قد نسي قضية قطران وانشغل بقضايا أخرى. أما المجلس الموقر برئاسة القاضي أحمد يحيى المتوكل فيبدو أنه مازال مخلصا لمهمته في تتبع القضاة الذين أعلنوا عن موقف تضامني مع قطران، ومن بينهم القاضي عرفات جعفر والقاضي أمة الرحمن جحاف. فهؤلاء في نظر المجلس رفعت ضدهم دعاوى تأديبية وعليه أن ينظر فيها حتى لو لم يعد هناك قضية بخصوص قطران.
يوجه المجلس مذكرة لهم بالحضور لاجتماع جلسته والاستماع إلى منطوق الحكم، يذهب القاضي عرفات جعفر فيتفاجأ بنظام صارم أصبح معمولا به في المجلس، حيث لا بد للقضاة من أن يخضعوا لتفتيش دقيق وكأن الأمر يتعلق بمتهمين وخارجين عن القانون وليس بقضاة لهم مكانتهم واعتبارهم داخل المؤسسة القضائية. وبحسب تعبير القاضي جعفر الذي تم استدعاؤه للاجتماع فإنه وجد نفسه في مكتب المخابرات وليس في مجلس القضاء الأعلى، فكان له أن يحتج ويرفض حضور الاجتماع..
النقار