أخبار الجنوب

تحليل لمآلات المفاوضات السعودية الحوثية في عُمان حول إيقاف الحرب اليمنية..

“انتهازية الحوثيين”.. هي هل سبب إيصال المفاوضات لنقطة الصفر؟

ألا يكفي الحوثيين ما حققوه من مكاسب أمنية واقتصادية وسياسية؟

ما الذي تريده جماعة الحوثي أكثر مما فازت به من مكاسب؟

لحج الغد – كيف أثبتت المفاوضات أن الحوثيين لا يبحثون عن أي سلام؟

ما موقف الحكومة الشرعية حيال المفاوضات؟

هل سنرى انفراجة في المفاوضات وتتكشف مناورة الحوثيين؟

الخيار العسكري.. كيف يمكن أن يكون ملاذاً أخيراً لحسم الحرب؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تتأرجح المعلومات القادمة من سلطنة عمان في دقتها وحقيقتها حول مآلات المفاوضات السياسية بين التحالف العربي ممثلًا بالسعودية وبين وفد مليشيات الحوثي.

ففي الوقت الذي كانت كل المؤشرات تبوح بأن هناك توافق على فتح مطار صنعاء وتشغيل كامل وواسع لميناء الحديدة، كتوافقات إنسانية ناتجة عما يجري في عُمان المفاوضات، برزت على السطح مؤخرًا أنباء بفشل المفاوضات.

وبالرغم من أن النتائج التي تم تسريبها عن التوافق على استقبال ميناء الحديدة للسفن التجارية وناقلات النفط بدون تفتيش قد أثارت جدلًا وتباينًا في قبول تلك النتائج، إلا أنها مثلت بداية لإمكانية قبول الحوثيين بالسلام.

خاصة وأن المليشيات الانقلابية نالت امتيازات ما انفكت تطالب بها قبلًا كفتح مطار صنعاء أمام وجهات جديدة، وتشغيل كامل لميناء الحديدة، بالتوازي مع صرف المرتبات، وهو ما تحقق لها بالفعل، إلا أن الانتكاسة عادت مجددًا للمفاوضات، في ظل غموض عن أسباب هذا التراجع في سير التفاوض.

وما يزيد الأمر غموضًا أن المفاوضات كانت تسير في طريقها نحو منح الحوثيين الانقلابيين امتيازات عديدة، تعزز ما كانوا يطالبون به منذ فشل الهدنة الأممية في أكتوبر/تشرين أول الماضي، قبل أن يخرج زعيم المليشيات بتصريحات تخلط الأوراق.

قائد الانقلابيين رفض صراحةً مبادئ السلام، وعكس في تصريحه المتلفز الأول منذ فترة طويلة، موقف جماعته المناهض للسلام، حتى وإن فازت بالعديد من الامتيازات ونالت الكثير من التنازلات.

التصريحات الحوثية لم تؤكد رفض المليشيات لجهود السلام وحسب، بل أكدت أيضًا أن الحوثيين لا يفاوضون بهدف إنهاء الحرب بقدر ما يفاوضون لإطالة أمدها، أو الحصول على أكبر قدر من المكاسب دون أن يقدموا أية تنازلات في المقابل.

> من أفشل المفاوضات؟

حصل الحوثيون على مكاسب وامتيازات سياسية واقتصادية بادية للعيان من خلال المفاوضات، وهي مكاسب غير معلنة رسميًا لكنها بدأت بالتنفيذ على الأرض من خلال تحويل سفن البضائع وناقلات النفط من عدن إلى الحديدة.

وبناءً على ما حصل عليه الانقلابيون من مكافآت سياسية بدلًا من أن يُعاقبوا على انقلابهم، كان الأولى بعد تقديم تنازلات تفضي إلى السلام، لكن يبدو أنهم رفضوا التنازل عن أي شيء، ومضوا في غيّهم الرافض للسلام.

هكذا على الأقل، يمكن تصور مسار المفاوضات في عُمان بين السعودية والحوثيين، حيث انتظرت الأولى من الثاني تقديم ما يثبت نيته الراغبة بالسلام، غير أن مطالب الحوثيين لا يمكن أن تصل إلى سقف محدد، وهذا برأي مراقبين ما أوصل المفاوضات إلى طريق مسدودة.

وهذا ما يؤكد أن الحوثيين هم سبب إفشال المفاوضات وإيصالها إلى نقطة الصفر من جديد، فـ”الانتهازية الحوثية” بالتأكيد هي من أدت إلى هذه النتيجة، بعد أن حصلت المليشيات على كل ما طلبته، حتى أن النقاش وصل إلى مناقشة تفاصيل صرف المرتبات، غير أن الابتزاز الحوثي برز وأفشل كل شيء.

فالعقلية الحوثية لا يمكن لها أن تخضع للسلام بهذه الطريقة التي تقدم التنازلات تلو الأخرى، دون أن يتم انتزاع أي مقابل حقيقي من المليشيات، التي لا ترى في تقديم الطرف الآخر للتنازلات سوى الضعف والخور، وليس الحرص على إيقاف الحرب.

وهذا ما يُغري الحوثيين نحو مزيد من الضغط للفوز بمزيد من المكاسب، والتي لا تقف عند مستوى التشغيل الكامل لميناء الحديدة أو توسيع وجهات ورحلات مطار صنعاء الدولي، أو حتى صرف مرتبات الموظفين في مناطق المليشيات بحسب مطالبها السابقة.

لأنه وباختصار، فإن “الانتهازية والابتزاز الحوثي” يقوم على أساس أن السلام الذي تراه المليشيات هو الذي يجب أن يتحقق، وليس الذي يريده اليمنيون أو التحالف العربي والحكومة الشرعية أو حتى المجتمع الدولي.

بل إن ما حققوه من مكاسب سياسية وإنسانية لا يبدو أنه يكفي المليشيات، فلسان حال الحوثيين يؤكد: “الحرب بيئة مناسبة لنا، أما السلام فيعني انتهاء مشروع استعادة الإمامة واستعباد اليمنيين، حتى وإن نلنا كل مطالبنا”.

> ما الذي يريده الحوثيون؟

إفشال الحوثيين المفاوضات، كما هو ديدنهم وعاداتهم المفضلة، يؤكد أن ما يريدونه هو ليس فتح الموانئ والمطارات وتخفيف معاناة اليمنيين الإنسانية، بقدر ما يريدون استمرار الحرب، ليس أكثر من ذلك.

حتى مطالبهم بفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء لا هدف إنساني لها من وجهة نظرهم، بل إنها تهدف لاستغلال هذا الفتح لإطالة أمد الحرب؛ من خلال استقبال المزيد من أسلحة إيران وصواريخ حزب الله، لكن هذه المرة بشكل رسمي عبر المنافذ البحرية والجوية الرسمية وليس عبر التهريب.

لأن هذه الجماعة الإرهابية لا تؤمن بالسلام وبأحقية اليمنيين بالاستقرار والعيش كما يعيش بقية العالم، ولهذا تستغل أية مفاوضات بما يضمن لها استمرار مسيرتها القتالية والدموية وإذلال اليمنيين شمالًا وجنوبًا، وللأسف فإن غاية المليشيات لا يبدو أنها تغيب عن الأطراف التي تفاوض الحوثيين.

فسواء كان التحالف أو الشرعية اليمنية هي من تفاوض، فإنهم يمضون بتحقيق ما يريده الحوثيون من إطالة أمد الحرب وتأخير السلام وإبعاد اليمنيين عن السلام وفق ما يريده الحوثيون، الذين سيطالبون بالمزيد من التنازلات كلما فازوا ببعض منها، ولن تتوقف مطالبهم حتى يتأكدون من ضمان بقائهم وبقاء سلاحهم المهدد لاستقرار اليمن.

الأمر الذي يجعل من المواجهة العسكري، أو على الأقل الضغط العسكري على المليشيات هو الحل الأنجع لإخضاع الحوثيين وإجبارهم على الجنوح إلى السلام والتخلي عن خيار الحرب والدمار.

> موقف الحكومة الشرعية

ينتقد كثير من المراقبين قيام التحالف العربي بالتفاوض الفردي مع المليشيات الانقلابية دون إشراك الحكومة الشرعية التي بدت في موقف لا تحسد عليه، كمن لا تعرف شيئًا عما يدور أن يتم الاتفاق بشأنه.

وبالرغم من أن الحكومة الشرعية هي المعترف بها دوليًا مقابل الانقلاب الحوثي، إلا أن موقفها من المفاوضات يبدو رافضًا لما يجري من مشاورات هناك في سلطنة عُمان، فما توصلت إليه المفاوضات عبر عنه مسئولون يمنيون بالتحذير.

فرئيس الحكومة اليمنية خرج يتحدث في مقابلة تلفزيونية أخيرًا، عن تحذيرات من استغلال الحوثيين لتفح الموانئ والمطارات في مناطق سيطرتهم بتدفق السلاح الإيراني إلى المليشيات، وبالتالي تصعيد القتال والمواجهات العسكرية في الجبهات.

تحذير كهذا يؤكد أن الحكومة المعترف بها دوليًا “غير مقتنعة” بما يجري بين التحالف (السعودية) والحوثيين في سلطنة عُمان، وأن السلام مع الحوثيين لا يعني سوى مرحلة جديدة من الحرب، بحسب الفكر المليشياوي الذي عبر عنه زعيم الجماعة في آخر حديث له.

> مستقبل المفاوضات

يرى البعض أن الرفض الحوثي الرسمي لحلول السلام ومساعي التسوية الأممية والدولية والإقليمية من دول الجوار، ما هو إلا محاولة تكتيكية للضغط على الطرف المفاوض الآخر، من باب “المناورة السياسية”.

وهي سياسة معروفة عن الحوثيين، اكتسبوها من حلفائهم الإيرانيون في مفاوضاتهم مع الغرب، وهي سياسة قائمة على الانتهازية والابتزاز، والإعلان إعلاميًا عما يناقض ما هو موجود في الواقع على الأرض.

مناورة كهذه، أو سياسة كهذه متبعة من قبل الحوثيين، يفتقر إليها التحالف العربي والحكومة الشرعية المعترف بها، فخلال التعامل مع المليشيات لا يقوم التحالف أو الشرعية بأية مناورات سياسية شبيهة بما يقوم به الحوثيون.

فالمناورات ما هي إلا أساليب ووسائل للضغط السياسي، وليست غاية بحد ذاتها، بقدر ما هي أداة للوصول إلى المبتغى والغاية الأساسية، تمامًا كما يفعله الحوثيون مع خصومهم.

وحتى إن افتقر التحالف والشرعية لأساليب الضغط السياسي ووسائل التوجيه والتأثير السياسية للحصول على الهدف المنشود، إلا أن هناك أساليب عسكرية أمثر عملية في هذا الجانب.

ولعل الخيار العسكري وتوجيه الجهود العسكرية لمكونات الشرعية نحو الحوثيين كفيل بإجبار المليشيات على الجلوس للتفاوض بشكل متوازن وربما ذليل بالنسبة للحوثيين إذا تم كسرهم أو تهديدهم بالحسم، كما كان الأمر في الحديد أواخر عام 2018.

عندها يمكن لـ”العصا” المتمثلة في الضغط العسكري أن تؤتي ثمارًا في مفاوضات السلام أفضل بكثير من تقديم التنازلات تلو التنازلات، والتي لا يراها الطرف الآخر سوى ضعف وخور، وإنهاء مستقبل المفاوضات بشكل إيجابي.

مادة خاصة بصحيفة عدن الغد