صفحات من تاريخ لحج
الفن في لحج.. تنوع وانفراد
لحج الغد – متابعات ..
هشام عطيري ( لحج) وأنت في حضرة فنون لحج الشعبية والفولكلورية وموروثها الموسيقي والغنائي حتما ستجد ذاتك الوجدانية المرهفة ورغما عنك قد ذابت وانصهرت في بوتقة الفنون وبيئتها اللحجية الأصيلة. هي فنون لحج الخالدة خلود كل زمان ومكان تنسم عبق عطرها المشبع بروائح الفل والكادي والياسمين والبشام وكل ريحان عطرت الروح اللحجية الجميلة. ولمحافظة لحج تاريخ فني اشتهرت به بفضل أدبائها وشعرائها وفنانيها ومثقفيها العظام والذي سجل فيها الأمير الشاعر أحمد فضل القمندان وعبدالله هادي سبيت وصالح فقيه وفضل محمد اللحجي والأمير عبدة عبد الكريم وغيرهم ممن شاركوا في صنع هذا التاريخ الفني وبناء أساسات هذا الفن الذي تميز عن غيره بتنوعه الفريد. ويقول فؤاد داؤود محمد نائب رئيس اتحاد أدباء لحج إن تاريخ لحج المعاصر لا سيما في عهدها الذهبي مليء بالعطاءات الفريدة المثمرة التي لا يختلف عليها اثنان بل يشهد لها بذلك القاصي والداني تميزت بطابعها الخاص في مجال الأدب والفنون فكان لها لونها الإبداعي الذي ميزها عن غيرها في أساليب الشعر الحديثة والغناء اللحجي الأصيل المتفرد بأشكاله الطربية والسماعية ورقصاته المتعددة التي تأخذ اللب وتأسر الوجدان. وقال لقد تفردت لحج في كل شيء حيث وضع اللبنات الأولى للأغنية اللحجية على دعائم قوية ومتينة الأمير الشاعر والملحن الأمير أحمد فضل القمندان الذي أوجد للأغنية اللحجية الأصيلة طابعها الخاص ولونها الذي يخطف الألباب ثم تعاقب من بعده سلسلة لامعه من الجهابذة الأفذاذ الذين أثروا الأغنية اللحجية بقوالب عديدة ومتنوعة أذهلت الخارج قبل الداخل أمثال : عبدالله هادي سبيت وصالح فقية والمغلس والنعمان وصالح نصيب والأمير عبده عبد الكريم ومهدي حمدون وعبد الخالق مفتاح وغيرهم الذين اخرجوا العديد من الاصوات الفريدة الخالدة امثال فيصل علوي وعبد الكريم توفيق وحسن عطاء ومحمد صالح حمدون وعلي سعيد العودي ومهدي درويش كما كان لصلاح ناصر كرد والصنعاني والسعودي مدارسهم الخاصة التي أثرت الأغنية اللحجية بطابع غنائي لا يستطيع أن يضاهيه أحد. وأشار داوؤد إلى أن الفنان القدير فضل محمد اللحجي صاحب الفضل الأول في إخراج الأغنية القمندانية الأصيلة وانتشارها في الداخل فيما يعود الفضل في انتشار الأغنية اللحجية في منطقة الجزيرة والخليج والعالم العربي للفنان الشعبي خالد الذكر فيصل علوي طيب الله ثراه لافتا إلى أن لحج ولادة شديدة الخصوبة تنجب وتنجب العديد من الفنانين الشباب المتميزين. ويوضح الفنان أحمد فضل ناصر أن مراحل الأغنية اللحجية تعددت وتنوعت منذ نشوئها في عهد ما قبل الأمير الراحل أحمد فضل القمندان مؤسس مدرسة الغناء اللحجي من قبل العديد من الرواد أمثال فضل ماطر باجبل وغيرة ممن أرسو موروثا وتراثاً لحجيا غزيراً جدد بعضه القمندان وأسس أغنية لحجية مكتملة الجوانب من خلال اعتماده أيضاً على الإيقاعات والرقصات وأنواع الدان اللحجي الموروث الذي أحياه في العديد من روائعه الغنائية وله معظم الإبداعات والابتكارات الأدبية واللحنية أدت إلى تكوين مدرسة الغناء اللحجي مكتملة العناصر. وأشار الفنان أحمد فضل ناصر في حديثة إلى أن القمندان من خلال مؤلفاته وأعماله الغنائية التي رددها الكبار والصغار امتد نفوذها إلى خارج الوطن ومنها الأعمال الغنائية الوطنية مثل أغنية (بلادنا نحبها لحج ووديها تبن، تاج شمسان ) وواكب مرحلة القمندان العديد من فرسان الشعر والغناء ومنهم هادي سبيت والنوبي وصالح الطاهري وسعد عبدالله اللحجي وآجرون. واستطرد في حديثة بالقول إن عجلة الإبداع اللحجية لم تتوقف برحيل القمندان في 43م بل تواصل ذلك على يد أحد تلاميذه وهو الفنان فضل محمد اللحجي الذي واكبت مرحلته ظهور العديد من المبدعين في الكلمة واللحن وهو حسب قول الفنان أحمد فضل ناصر ، إن فضل محمد اللحجي، رحمة الله عليه ، مجدد المدرسة الغنائية اللحجية بعد رحيل القمندان حيث تغيرت الأوزان الشعرية والتركيبات اللحنية حيث جاءت إبداعاتهم فريدة ومتغيرة ومختلفة عن ما قدمه القمندان. وأضاف أن مدرسة أخرى للغناء اللحجي كانت على يد الشاعر عبدالله هادي سبيت التي تنوعت عطاءاته وإبداعاته الشعرية واللحنية من خلال العديد من الأعمال المتنوعة في المجال العاطفي أبرزها باكورة إنتاجه الذائعة الصيت « القمر كم بايذكرني جبينك ياحبيبي « وأغنية سالت العين التي تغنى بها الطفل المعجزة أنذاك في أوائل خمسينيات القرن الماضي المرحوم محمد صالح حمدون وهي من كلمات الأمير محسن صالح مهدي ولحن عبدالله هادي سبيت وغيرها من الأعمال التي رددها الفنانون فضل محمد اللحجي، أحمد يوسف الزبيدي وآخرون. وقال إن الشاعر المرحوم عبدالله هادي سبيت قد تجلى دورة في الجانب الوطني بالعديد من الروائع إبان الكفاح المسلح ضد الإنجليز منها أغنية ياشاكي السلاح والتي كتبها وأداها بصوته في مسارح عدن وأغنية قرب دورك يا ابن الجنوب والتي تغنى بها أحمد يوسف الزبيدي وأنشودة هنا ردفان التي لحنها وقدمها الفنان محمد مرشد ناجي و العديد من الأعمال التي لازالت في وجدان المواطن في كل مكان. وبين الفنان أحمد فضل ناصر أن الأمير الشاعر محسن أحمد مهدي العبدلي لعب دوراً كبيراً في نشر الأغنية اللحجية وتجديدها الموسيقى خصوصا عندما كان مرتبطاً بالقسم الموسيقي بإذاعة عدن منذ تأسيسها بالخمسينيات حيث وثق لمعظم فناني لحج العديد من الأعمال والروائع الغنائية اللحجية التي وصلت إلى مسامع الجمهور في الداخل والخارج. كما تطرق أحمد فضل ناصر إلى ظهور الندوات اللحجية والتي ساهمت في ازدهار الحركة الفنية والثقافية نتيجة لاحتضانها رموزاً فنية متميزة انتجت روائع غنائية عاطفية ووطنية، وكان لها دور في اكتشاف المواهب الفنية وإظهارها على الساحة الفنية بإعمال غنائية رائعة تصدر تلك الندوات الأمير محسن بن أحمد مهدي وفضل محمد اللحجي وصلاح ناصر كرد وحسن عطاء ومحمد سعد الصنعاني وسعودي أحمد صالح و عبده عبد الكريم والشعراء صالح نصيب وعبدالله سالم باجهل وعبد الخالق مفتاح واحمد عباد الحسيني ومن الأصوات التي أظهرتها تلك الندوات وأصبحوا نجوماً عبد الكريم توفيق، فيصل علوي، محمد عوض شاكر، يسلم حسن صالح، فضل وحسن كريدي ، ومنها ندوة الجنوب الموسيقية التي تأسست في 57م والندوة اللحجية. وأكد الفنان أحمد فضل ناصر دور الأستاذ عبدالله حنش الذي ساهم في تربية وتعليم الموهوبين من لحج وخارجها وأسس ندوة الأمل التي احتضنت نجوم الغناء في لحج وانتجت أعمالًا رائعة حيث استمر نشاطها إلى منتصف السبعينيات واكبها تأسيس ندوتي الحوطة والفلاح أواخر الستينيات وبداية السبعينيات حتى تكوين إطار فرقة الثقافة التي ضمت معظم فناني وموسيقي لحج منذ 78م. أما عبد الحليم حسن عطا نائب مدير مكتب الثقافة بلحج يقول إن ذكر اسم لحج في أي حديث يذهب المتحدثون بتلقائية أو مجبرين للتحدث عن الفن الغنائي اللحجي فيدار الحديث عن زمن الطرب الجميل والفن الأصيل فيتذكرون الشاعر والملحن العبقري القمندان وأغانيه الجميلة والمعبرة التي تشنف لها الأذان فتطرب بألحانها الوجدان وترقص على إيقاعاتها القلوب دوره في وضع اللبنة الأولى للفن الغنائي اللحجي. وأضاف بقولة إن الندوات الموسيقية التي تم تكوينها في النصف الثاني من خمسينيات القرن الفارط ( ندوة الجنوب، الندوة اللحجية ) ضمت العديد من الرواد في الشعر والتلحين وأصحاب الملكات الصوتية في الغناء وعباقرة العزف الموسيقي كان لها دور في تطوير الحركة الثقافية والفنية من خلال تلك الأعمال الراقية لازالت خالدة حتى اليوم بلونيها العاطفي والوطني. وأكد عطا في حديثه على دور تلك الأعمال الغنائية المختلفة في بث روح الحماس الذي عمل على تحريك مشاعر وأحاسيس الجماهير لخوض النضال الثوري في دحر الاحتلال وطرد الاستعمار ونيل الحرية والاستقلال أنذاك. وأضاف أن الفن بلحج ساهم في دعم حركات التحرر العربية كثورة الجزائر من خلال إقامة الحفلات الغنائية والتي ذهب ريعها إلى تلك الحركات التحررية. ويؤكد عبد الناصر غيرم أن الفن بمختلف فروعه الرافد الهام والأساسي لانتصار ثورة 14 أكتوبر على أرض الجنوب ضد المستعمر البريطاني والانتصار للثورات العربية في كل من اليمن والجزائر ومصر وغيرها فصدحت الأغنية والأنشودة من لحج وعدن وبقية محافظات الجنوب وبأصوات كبار الفنانين لنصرة هذه الثورات مشيرا إلى أن دور الفن في لحج كان له دور مميز في هذا الجانب من خلال العديد من الأعمال الفنية التي لازالت خالدة حتى اليوم. موروث هائل في الفنون الشعبية أكد الأديب والكاتب محمود المداوي أن هناك إجماعاً من أهل الاختصاص الموسيقي من أهل لحج ذاتها ومن خارجها على أن لحجا امتلكت موروثا هائلاً في شتى الفنون الشعبية التي مارسها وخبرها الإنسان اللحجي في حياته اليومية وهي فنون شعبية بامتياز جسدت أدق تفاصيل أسلوب عيشه، إضافة إلى أسلوب تفكيره ورقي ثقافته والوعي بها كمخزون غني وبالغ الإثراء تبدأ من أغاني الزراعة ومواسمها المختلفة إلى أغاني الأفراح العامة والخاصة والمناسبات الدينية مروراً بأغاني الحرب والشجاعة والبطولة إلى تلك الأغاني المرتبطة أيضاً بمناسبات حزينة وغير سعيدة. وأشار المداوي إلى أن مرحلة البدايات الأولى وتؤثرها بما هو سائد من فنون فلكلورية وتأثيرها فيها بالتجديد والتطوير قد استمر في نقلات نوعية مشهودة حيث تبلور ذلك كثيراً في أواخر القرن التاسع عشر إلى مرحلة الأمير أحمد فضل القمندان والى بعد مماته في اربعينيات القرن العشرين إذ برز نجم الغناء فضل محمد اللحجي وكوكبة متفردة من الفنانين والمطربين المجيدين والمجددين منهم محمد سعد الصنعاني، عبدالله هادي سبيت، سعودي أحمد صالح، حسن عطا، عبد الكريم توفيق، فيصل علوي، وهذه مرحلة جديدة ومتطورة في مسار تطوير الغناء اللحجي الرائع والجميل. وقال المداوي لقد برز اسم الفنان الشعبي الكبير فيصل علوي في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي كفنان موهوب ناشئ لفت إليه الأنظار خاصة أن الفترة التي ذاع فيها صيت هذا الفنان الرائع امتازت بوجود العديد من المنتديات الثقافية الخاصة للفرق الموسيقية والاهتمام بالمواهب الواعدة وانتقاءها من صفوف التلاميذ في المدارس اللحجية ومنها انطلق الراحل فيصل علوي إلى رحاب تلك الندوات الفنية والموسيقية فنانا قوياً متمكناً تربع على عرش الغناء اللحجي حتى وفاته ولا يزال له الفضل في إثراء مكتبة الموسيقى والغناء داخل لحج وخارجها بعديد الأغنيات التراثية الخالدة كما له أثرة الواضح في تجديد كثير من الألحان القدية إضافة إلى ألحان خاصة به ولآخرين من جيله يعدها الباحثون لا تقل في جودتها وشهرتها عن الأغنيات الفلكلورية المعروفة التي عكست بصدق جودة هذه الأغنية وعرفت بها في بقاع عدة من بلادنا ومنطقة الخليج والجزيرة العربية بل والوطن العربي كافة.