بين أمجاد الاستقلال ومرارة الواقع: الجنوب العربي في ذكرى الثلاثين من نوفمبر
بين أمجاد الاستقلال ومرارة الواقع: الجنوب العربي في ذكرى الثلاثين من نوفمبر ..
لحج الغد – بقلم /وسيم عارف العبادي
تحل علينا الذكرى السابعة والخمسون لثلاثين نوفمبر يوم الاستقلال العظيم الذي خرج فيه آخر جندي بريطاني من أرض الجنوب العربي حاملاً معه حقبة طويلة من الاحتلال والاستعمار لتُشرق شمس الحرية والسيادة على وطن ضحى أبناؤه بالغالي والنفيس من أجل رفع راية الكرامة عالية هذا اليوم التاريخي ليس مجرد ذكرى عابرة بل هو محطة مهمة نسترجع فيها تضحيات الأجداد ونستلهم منها دروس الصمود والعزيمة لكنه يأتي اليوم مثقلاً بالهموم والمعاناة التي يعيشها أبناء هذا الوطن حيث تحوّل الحلم الذي رسمه المناضلون بالأمس إلى واقع مرير يغرق فيه الشعب تحت وطأة أزمات خانقة ومتراكمة جعلت الحياة أشبه بالكابوس المستمر.
منذ ستين يوماً والمعلمون يخوضون اعتصاماً مفتوحاً يطالبون فيه بحقوقهم المهضومة التي بالكاد تكفي لسد رمقهم أو مواجهة غلاء المعيشة المتصاعد ورغم معاناتهم وصبرهم الطويل، لم يجدوا سوى التجاهل والصمت من الجهات المعنية وكأن أصواتهم لا تصل أو أن معاناتهم لا تعني أحداً. ومع كل يوم يمر تتفاقم الأزمة ليس فقط على المعلمين بل على كل شرائح المجتمع، حيث لم يعد الغلاء مجرد تحدٍ بل أصبح عائقاً حقيقياً أمام أبسط احتياجات المواطنين اليومية. ارتفاع الأسعار الجنوني انهيار قيمة العملة وانعدام الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وصحة وتعليم، جعلت الجميع يعيشون في دائرة لا تنتهي من المعاناة وكأن هناك سياسة ممنهجة تدفع بالشعب نحو حافة الانفجار.
في ظل هذا الواقع القاتم، يطرح كل مواطن سؤالاً صريحاً: من المسؤول عن هذا الوضع؟ من الذي أوصل الشعب إلى هذه المرحلة من التدهور واليأس؟ وما الهدف الحقيقي من هذه الممارسات التي لا تفسر سوى بأنها سياسة تجويع وتركيع للشعب؟ هل هو إضعاف إرادة الناس؟ أم أن هناك من يستفيد من استمرار هذا الوضع الكارثي؟ مهما كانت الإجابة فإن الحقيقة الواضحة هي أن الشعب قد وصل إلى مرحلة من الضيق لم يعد يحتمل معها المزيد من الانتظار أو الصبر فالأوضاع الحالية إذا استمرت على هذا النحو قد تقود إلى انفجار شعبي كبير وقد يكون ذلك الانفجار بمثابة الصرخة الأخيرة لشعب أنهكته الأزمات والخذلان.
إن ذكرى الثلاثين من نوفمبر التي كانت رمزاً للحرية والانتصار تحولت اليوم إلى لحظة تأمل مليئة بالأسى والحزن فكيف يمكن أن تكون ذكرى الاستقلال التي حلم بها الأجداد مناسبة يحتفل بها الأحفاد في ظل هذا الواقع الذي يفتقر لأبسط مقومات الكرامة الإنسانية؟ هل من المنصف أن يعيش شعب ناضل لسنوات طويلة من أجل الاستقلال في ظروف لا تليق حتى بأقل الدول تطوراً؟ إن هذا التناقض المؤلم بين أمجاد الماضي ومرارة الحاضر يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية لإعادة الأمور إلى نصابها وإنقاذ الوطن من هذا الانحدار المستمر.
الثلاثون من نوفمبر ليس مجرد يوم للاحتفال بل هو فرصة لاسترجاع الروح الوطنية والعمل الجاد لتصحيح المسار إذا أردنا أن نحترم تضحيات الأجداد ونوفيهم حقهم فعلينا أن نعمل بكل جدية لإعادة بناء الوطن على أسس العدالة والكرامة وأن نضع مصلحة الشعب فوق كل الاعتبارات والمصالح الضيقة الاستقلال لم يكن يوماً نهاية للنضال بل هو بداية لمسؤولية عظيمة تستوجب من الجميع العمل بصدق وإخلاص من أجل تحقيق الحياة الكريمة لكل مواطن…