الوطن في زمن التغيرات
الوطن في زمن التغيرات
بقلم / ماهر العبادي أبو رحيل
في زوايا ذاكرتي، تتجلى صور وطني كما كانت، مفعمة بالحيوية والألوان، لكن سرعان ما تتلاشى تلك الصور لتترك مكانها سحابة من الحزن والغموض. لماذا تغيرت أوطاننا؟ من الذي نزع عنها بريقها وجعلها تعيش في ظلال الماضي، غارقة في آلام الحاضر؟ أسئلة تتزاحم في ذهني، والأجوبة تتوارى بعيداً في زحام الأحداث.
أتذكر كيف كانت الأوطان تمثل لنا الأمل، وكيف كان كل حجر فيها يحمل قصة، وكل شجرة تهمس بأسرار الأجداد. كنا نرى السماء صافٍ، وفي الأرض خيرات. لكن اليوم، تبدو تلك الصورة مشوهة، وكأن الزمن قد سحب بساط الأحلام من تحت أقدامنا.
الأوطان، التي كانت تفتخر بأمجادها وتاريخها، أصبحت تعاني من وطأة التراجع، وكأنها تئن تحت ضربات قسوة الواقع.
تتجول في شوارع مدينتك، فتشعر بأن كل زاوية تحكي ألماً، وكل ركن يحمل ذكريات مؤلمة. ترى الوجوه التي كانت تضيء بابتسامات الأمل، وقد غمرتها غمامة من الخوف والقلق والفقر .
كيف تحولت تلك الوجوه الباسمة إلى ملامح مشوشة، تبحث عن مخرج من نفق مظلم؟
هل كان ذلك نتيجة للصراع الذي لا ينتهي، أم هو ثمرة تجاهلنا لنداءات التغيير؟
تتساءل: أين ذهبت الطموحات؟ أين من كانوا يقودون الأمم نحو الازدهار؟ في ماضي بعيد، كانت لدينا أحلام كبيرة وأهداف نبيلة واليوم، نجد أنفسنا محاصرين بين أحلام ضائعة وواقع مرير. عصابات الشر التي تسيطر على مقدرات البلاد، تمارس طغيانها وقهرها، تجعلنا نعيش في حالة من الجوع والخوف. ينهش الفساد في جسد الوطن، بينما نرى الأمل يتلاشى.
وبينما نستذكر تلك الانتصارات القديمة، نتساءل أين ذهبت روح الكبرياء التي كانت تسكن قلوبنا؟ أين الأبطال الذين كانوا يدافعون عن الحق؟ أم أن الزمن قد أفرغنا من محتوياتنا، وجعلنا مجرد مشاهدين على مسرح الأحداث، نراقب مصيرنا يتلاشى أمام أعيننا؟
لكن، رغم كل شيء، لا يزال هناك بصيص من الأمل في زوايا الوطن، هناك من لا يزالون يحملون مشاعل النور، مؤمنين بأنه يمكن إعادة بناء ما تهدم. هناك من يسعون للتمسك بالهوية، ولإحياء الذكريات الجميلة، وللعمل من أجل غدٍ أفضل.
الأمل لا يموت، بل يتجدد مع كل جهد يُبذل.
علينا أن نؤمن بأن الوطن ليست مجرد حدود، بل هو انتماء وحب وعطاء، لنستعد جميعاً للقتال من أجل استعادة مكانة جنوبنا، ولنزرع الأمل في قلوب الأجيال القادمة.
فقد آن الأوان لنكتب فصلًا جديداً من التاريخ، فصلاً يليق بنا، ويعيد للجنوب بريقة الذي فقدة. فلنكن نحن الحماة، ولنجعل من كل تحدٍ فرصة، ومن كل ألم دافعاً نحو غدٍ مشرق.