صفحات من تاريخ لحج

السياحة الريفية في لحج: تاريخ عريق وطبيعة متنوعة أعمال التنقيب

كشفت أن لحج كانت مأهولة بالسكان منذ الألف الثالثة قبل الميلاد

 

لحج الغد /كتب/فاروق ثابت العبسي

تمتلك لحج مشهدًا طبيعيًا ساحرًا يجذب السكان من عدن والمناطق المجاورة إلى متنفساتها الطبيعية الممتدة على طول وادي تبن، فكلما ضاقت الحياة وصخب المدينة في عدن، لجأ سكانها إلى لحج بفضل مناخها المعتدل وطبيعتها الخلابة.

في هذا المقال المكون من جزئين، نستعرض فيه السياحة الريفية المتنوعة في لحج، سواء في المعالم التأريخية أو الطبيعة. وهذا يجعل من المحافظة منطقة جذب سياحي، في حال وجدت التنمية وتم الاستثمار في البنية التحتية والاهتمام بالمواقع التأريخية، يعطي هذا الجزء لمحة عامة عن لحج ويركز على مديريتي الحوطة وتُبن.

 

وتقع محافظة لحج جنوب اليمن ومركزها الإداري مدينة الحوطة وتبعد عن عدن مسافة 27 كم شمالًا، وعن العاصمة صنعاء 320 كم جنوبًا، ويمكن اعتبارها الريف لمدينة عدن لارتباطها الجغرافي القريب، وأيضاً هي مصدر أساسي للمياه العذبة لمدينة عدن لا يمكن الاستغناء عنه، حيث تعتمد على حوض وادي تبن في لحج.

ليس فقط الرابط بين لحج وعدن مقتصرًا على الجغرافيا والمياه، بل يمتد إلى جذور تاريخية عميقة عبر العصور، وكانت الأحداث الكبرى التي دارت حول السيطرة على ميناء عدن تتشابك مع لحج، حيث كانت المحافظة تلعب دورًا محوريًا في الصراعات التي استهدفت السيطرة على عدن.

تعاقب الحضارات في لحج

كانت لحج مركزًا استراتيجيًا للغزاة في العصور القديمة، الذين اعتمدوا عليها كموقع لوجستي بسبب ثرواتها الطبيعية وهذا ما جعلها أحد أهم مراكز الاستيطان اليمني القديم، وكشف أعمال التنقيب أن لحج كانت مأهولة بالسكان منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وهناك احتمالية كبيرة لاكتشاف تاريخ أقدم وأهم لو استكملت أعمال التنقيب في جميع مناطق الموقع.

 

خلال العصر الإسلامي، تعاقبت العديد من الدول مثل الزيادية، الصليحية، الرسولية، والطاهرية، وكانت لحج محل اطماعها ومع مرور الزمن، تعرضت لحج لعدد كبير من الحروب والصراعات التي دمرت جزءًا من معالمها التاريخية نتيجة الطموحات في السيطرة على ميناء عدن وثرواته الكبيرة. بعد هذه الفترات المتقلبة، ظهرت في لحج ست سلطنات، كان أبرزها سلطنة العبدلي في مخلاف لحج، أو وادي تبن.

 

بعد اندلاع ثورة 14 أكتوبر وتحرير الشطر الجنوبي من الاستعمار البريطاني، (1838-1963م) أصبحت لحج واحدة من المحافظات الست التي كانت تشكل الجنوب اليمني. وبعد تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو/ آيار 1990م، أصبحت من محافظات الجمهورية اليمنية. وفي عام 1998، تم تعديل التقسيم الإداري للمحافظة عبر استحداث محافظة الضالع، لتصبح لحج مكونة من عشر مديريات رئيسية.

 

تمتلك لحج ثروة سياحية نادرة فهي المحافظة الوحيدة في اليمن التي تجمع بين أنواع متعددة في مناطق الجذب السياحي

 

تنوع السياحة الريفية

تتنوع تضاريس محافظة لحج بين الجبال، السهول، المناطق الصحراوية، الشواطئ الساحلية، والأودية الخصبة. هذا التنوع يمنحها إمكانيات سياحية هائلة، ولكنها غير مستغلة بالكامل. تشمل المواقع الطبيعية وتعد منطقة المحمية الطبيعية “إراف” واحدة من أبرز مناطق الجذب البيئي.

 

وتمتلك لحج ثروة سياحية نادرة فهي المحافظة الوحيدة في اليمن التي تجمع بين أنماط متعددة من السياحة، مثل السياحة البحرية والشاطئية التي تشمل الأنشطة البحرية المتنوعة، بالإضافة إلى السياحة الصحراوية التي تتعلق بمغامرات الرمال والرياضات المرتبطة بالصحراء.

 

كما تتميز لحج بالسياحة الثقافية والتاريخية نظرًا لما تحتويه من مواقع تاريخية قديمة، إضافةً إلى السياحة الدينية بفضل مزاراتها الدينية القديمة. السياحة الطبيعية والجبلية هي أيضًا نمط مهم في لحج، حيث يقصد الزوار المناطق الجبلية للاستمتاع بالطبيعة والقيام بأنشطة مثل المشي على الأقدام والطيران الشراعي.

 

وتتوفر في لحج السياحة العلاجية التي تعتمد على المياه الطبيعية الحارة، فضلاً عن سياحة المغامرات البرية والبحرية. لكن كل هذه الإمكانيات ما زالت بحاجة إلى اهتمام إبداعي ودراسات علمية لتطويرها واستغلالها، حتى لا تبقى مجرد إمكانيات غير مستغلة في ذاكرة الناس والانطباعات السطحية.

تمتد الصحاري عبر أكبر مديريات محافظة لحج، مثل المضاربة وطور الباحة، حيث يعيش فيها البدو الرحل الذين ينتمون إلى قبائل “ذو أصبح”. تُعتبر الصحراء جزءًا أساسيًا من حياتهم، حيث يُمارسون نشاط الرعي والترحال. وتظل الجمل والناقة محور حياتهم اليومية، إذ يعتمدون عليها في التنقل ونقل حاجياتهم.

 

على الرغم من قسوة الحياة في الصحراء والمناخ الحار، إلا أن سكان الصحراء يتمتعون بقدرة عالية على التكيف مع بيئتهم. يعتبرون الصحراء جنتهم الخاصة، ويشتركون مع بدو صحاري رملة السبعتين في مأرب في العديد من الصفات المشتركة، مثل نمط النشاط الاقتصادي وأسلوب الحياة اليومية.

 

تعد هذه الظواهر الاجتماعية الفريدة جزءًا هامًا من التراث الثقافي لمحافظة لحج، وهي تستحق المزيد من الدراسات العلمية والتوثيق الإعلامي للتعريف بها وأهميتها، ويبرز الغناء والرقص اللحجي، وأنواع مخلتفة من الورود أبرزها “الكاذي” من أكثر ما تشتهر بها المحافظة لدى عامة الناس في اليمن.

 

الحوطة.. قلب لحج النابض بالثقافة

تُعتبر مدينة الحوطة، المعروفة أيضًا بـ”حوطة بلجفار”، مركز محافظة لحج منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي. عندما استقر فيها السلطان فضل بن علي العبدلي عام 1145 هجريًا، اتخذها عاصمة لسلطنته في مخلاف لحج ووادي تبن.

 

تشتهر الحوطة بأجوائها الروحانية لكثرة مساجدها التاريخية ومزاراتها الدينية، وأهمها وأكبرها مزار ضريح مزاحم بلجفار الذي تُنسب إليه المدينة. يُقام لهذا المزار زيارة سنوية في شهر رجب من كل عام، مما يعكس الأهمية الدينية والثقافية للمدينة.

 

رغم انها شهدت تخطيطًا عمرانياً حديثًا، إلا أن سوقها القديم يتوسط المدينة، والذي كان يُقام يومي الاثنين والخميس أسبوعياً، ومع تطور الحياة وتوسع الخدمات، أصبح السوق يؤدي دوره الخدمي يوميًا، محتفظًا بإيقاعه القديم. ويُعد “الدسمال السلاطيني” معلمًا تاريخيًا من معالم المدينة، وتوجد فيها جميع منشآت الخدمات السياحية.

 

أهم المواقع التاريخية والسياحية في الحوطة

قصر السلطان العبدلي

يُعتبر قصر السلطان العبدلي من أبرز المعالم السياحية في مدينة الحوطة، ويقع بالقرب من ساحة السوق القديم. بناه السلطان عبد الكريم العبدلي عام 1347هـ (1928-29 م)، ويتكون من ثلاثة طوابق شُيدت باستخدام الأحجار المصقولة.

 

ويُعد تحفة معمارية فريدة تجمع بين فنون العمارة في شرق آسيا والفن المعماري اليمني العريق، مما يجعله تجسيدًا لموروث حضاري إنساني رفيع بكل مكوناته المعمارية وفنونه الزخرفية الفرعية. ما يزال بحالة جيدة، وحاليا تم اتخاذ طابقه الثالث متحف للآثار والموروث الشعبي في لحج ويعد مقصدًا للزوار والباحثين عن التاريخ والتراث اليمني.

المسجد الجامع

يُعتبر المسجد الجامع أهم وأكبر مساجد مدينة الحوطة، وقد بناه الحاج عمر بن عبد الله المساوى عام 1083هـ (1672-73 م) تم نقل منبره من جامع منطقة الرعارع التاريخية بعد تدميرها في منتصف القرن السادس عشر الميلادي. وجدده السلطان عبد الكريم العبدلي عام 1348هـ، ليصبح من أجمل المساجد في لحج بقبته الشهيرة المتميزة بزخارفها الفنية.

يتكون المسجد من طابقين؛ الطابق الأول يضم محلات تجارية يُخصص ريعها وقفًا للمسجد، بينما يُستخدم الطابق الثاني كمسجد للصلاة. تمت زخرفة واجهات المسجد الداخلية والخارجية بأشكال نباتية وهندسية بطراز الفنون الإسلامية التقليدية، وله مدخلان من الجنوب والشرق.

دار العرائس

يقع دار العرائس شمال مدينة الحوطة على بعد 23 كم، على ضفتي وادي تبن الغربي الكبير، ويطل عليه حصن العند التاريخي. يُعتبر أحد أشهر المعالم السياحية والمواقع الأثرية في المنطقة، ويعود تاريخه الأول إلى بداية القرن الأول الميلادي. تتناثر حوله بقايا أحجار تحمل كتابات مسندية قديمة، وعبر العصور تم بناء قصور فوقه. تشير بقايا الأطلال الأخيرة إلى أنه كان على شكل مستطيل بأبعاد 40×17 مترًا.

إلى جانب أطلال بقايا دار العرائس التاريخي، يوجد بستان ومنظر خلاب يجمع بين الأشجار الخضراء والماء والطيور المتنوعة، وهو عامل جذب سياحي لسكان لحج وعدن والمناطق المجاورة. كتب الشعراء فيه قصائدهم وتم تلحينها، مما يعكس تأثير هذا المكان في الثقافة المحلية.

ورغم أهميته السياحية إلا أنه في آخر النهار عندما يبدأ الظلام بعد غروب الشمس، يتأهب الزوار لمغادرة الموقع لعدم توفر الكهرباء وأبسط الخدمات السياحية الضرورية، رغم جاذبية المكان وأهميته السياحية.

بستان الحسيني

يُعد بستان الحسيني أكبر وأجمل المنتزهات ومقصد سياحي طبيعي لسكان لحج وعدن والمحافظات الأخرى. يقع شمال مدينة الحوطة بمسافة 4 كم، ويمتد على مساحة 300 فدان من جسر الخداد شمالًا إلى منطقة الكدام جنوبًا، على جانبي الخط الأسفلتي العام الرابط بين كرش والعند ثم مدينة الحوطة وعدن.

يتميز بالتربة الخصبة لوقوعه في جزء من دلتا حوض لحج الواق بين وادي تبن الشرقي والغربي، وأنشأه الفنان أحمد بن فضل العبدلي الشهير بـ “القمندان” تنفيذا لفكرة السلطان والده، فشكل لوحة فنية جميلة، وشمل البستان تقسيمات زراعية عديدة من، الفواكه، الخضروات المتنوعة، محاصيل الحبوب، والنباتات العطرية بأنواعها.

تم تصميم بستان الحسيني من الفنان القمندان كمجمع زراعي منتج، وطُوّع فيه الكثير من شتلات الفواكه النادرة التي نقلها من الهند، ووفر هذا المجمع الكثير من فرص العمل للرجال والنساء، وأدى وظائفه الزراعية والسياحية والترفيهية على أكمل وجه.

وكان لكل قسم اسم بحسب وظيفته، مثل الحسيني، الرمادة، قرة العين، البحيرة، وحيط البصل. وأجمل الأقسام هو “الحسيني” والذي كان مخصص لزراعة النباتات العطرية، التي تجسدت كثيرًا في أغاني القمندان والفنانين الآخرين، وصارت جزءًا من تراث لحج.

في التل العالي من البستان القريب من النباتات العطرية، بنى الفنان أحمد فضل القمندان منزله الخاص ليطل من شرفته على كل جوانب البستان، محققًا أمنيته التي سخر لها جزءًا كبيرًا من حياته. ورغم تبدل أحوال الزمن وتغير الأوضاع، ما زال بستان الحسيني يتمسك بجماله وروعته، يمنح الراحة لكل زواره من سكان لحج وعدن وغيرهم.

  • مهرجان القمندان

يعد مهرجان القمدان من أبرز الفعاليات الثقافية السياحية، نسبة للفنان أحمد فضل القمندان (1883-1934م)، الذي وثق وحفظ وأرشف التراث اللامادي لمحافظة لحج، يُقام كل ثلاث سنوات، تستمر فعالياته أربعة أيام وتخليدًا لدوره الخلاق في ذاكرة ووجدان الأجيال في لحج خصوصًا واليمن عمومًا.

يقصد المهرجان المهتمون بالتراث اللحجي والفرق الفنية التراثية من كل محافظات اليمن، بالإضافة إلى مهتمين وفرق فنية من دول عربية، وخلال أيام المهرجان تزداد فرص التمكين الاقتصادي والسياحي، وتنشط كل مجالات الحياة. ومنذ بدء الصراع المسلح خلال السنوات الماضية.

ونشأ الفنان القمندان في حوطة لحج المليئة بالفنون الغنائية والرقصات الشعبية المتعددة، وتعلم العزف وأجاده وغنى كل أنماط الغناء اليمني، لكنه وجد في الأغنية المحلية اللحجية حلاوة وطراوة. بحسه الفني المرهف، أدرك أنه أمام فن أصيل وعريق، فأسس من خلاله أول فرقة موسيقية شعبية في اليمن باسم “فرقة الطنبرة”.

كان المهرجان فرصة للاستماع بإرث “القمندان” الذي استطاع تطوير الغناء اللحجي وخصوصية إيقاعات الأغنية اللحجية والرقص الشعبي، وأهمها رقصة الرزحة، المركح، الميمة، التمسية، والشرح. وترتبط كل واحدة بمناسبة معينة مثل جني المحاصيل، أعمال البناء، أعمال الصيادين والبحر، ومناسبات الأفراح.

  • الفل والكاذي

تتوسع زراعة النباتات العطرية في مديرية تبن، ويهتم برعايتها سكان قرى المديرية المتناثرة على امتداد ضفتي وادي تبن، بعد أن زاد الطلب عليها في أسواق المحافظات المجاورة. صارت تشكل فرص عمل كثيرة ومصدر دخل اقتصادي للعديد من الأسر.

من أهم تلك النباتات: الفل، الورد، الكاذي، الريحان، والمشموم. يقوم السكان بتسويقها وبيعها على هيئة عقود فل وباقات ورد وكاذي ورياحين في أسواق المحافظة، أو في محلات خاصة على طرق الخطوط البرية الرئيسية للمسافرين العابرين، أو بيعها لزوار بساتين وحدائق مديرية تبن من محافظة عدن القريبة، الذين يجدون فيها متنفسات طبيعية جميلة لقضاء أوقات في أحضان الطبيعة الجاذبة أيام العطل الأسبوعية والمناسبات.


تم تصميم بستان الحسيني في حوطة لحج من قبل الفنان “القمندان” وزرع فيه الفواكه النادرة التي نقلها من الهند وأدى وظائفه الزراعية والسياحية أيضاً.


يزداد الإقبال على هذه المتنفسات خلال فصل الصيف، كما يزداد الطلب على شراء النباتات العطرية في مناسبات الأعراس والأعياد الدينية وزيارات المقامات والأضرحة الصوفية السنوية. يتم تصدير هذه النباتات أيضًا إلى أسواق المحافظات المجاورة. ولأهمية هذه النباتات وما ينبعث منها من روائح عطرية يكون حضورها مهم في التراث الغنائي اللحجي.

  •  قرية الجروبة

تقع قرية الجروبة إلى الشمال من مدينة الحوطة بمسافة 5 كم، شرق بستان الحسيني على ضفة فرع وادي تبن الصغير، يعمل أهالي القرية بالزراعة نظرًا لخصوبة أرضها التي تُزرع فيها الفواكه، الخضروات، الحبوب، والنباتات العطرية.

كان في قرية الجروبة  يوجد محفر يستخرجون منه مادتي الكري والنيس منذ زمن، حتى صارت حفرة بعمق 10 أمتار وطول 60 مترًا وعرض 30 مترًا وكانت فارغة، قبل أن يقوم قام أحد أهالي القرية بحفر بئر في قاع الحفرة، وعند عمق 3 أمتار تدفقت مياه سطحية بقوة، ولم يستطيعوا السيطرة عليها وتحولت بحيرة.

تحولت الحفرة العميقة إلى بحيرة مائية ذاع صيتها، وأصبحت القرية مقصد للزوار لممارسة السباحة والتمتع بالمسطح المائي الجديد الذي غير نمط الحياة في القرية فجأة، ووفّر لأهلها مصدر مياه وفير يسقون أراضيهم ويتوسعون في زراعتها.

  • موقع قرية صبر الأثري

يقع موقع قرية صبر الأثري بجانب الطريق الأسفلتي الرابط بين مدينة عدن ومدينة الحوطة، مركز محافظة لحج، ويبعد عن مدينة عدن 20 كم، ويُعتبر أحد أهم المواقع الأثرية التي تمثل المرحلة الانتقالية بين العصر الحجري الحديث والعصور التاريخية للفترة الممتدة بين الألف الرابع قبل الميلاد والألف الأول قبل الميلاد.

قامت البعثة الروسية الألمانية اليمنية المشتركة بأعمال حفريات وتنقيب أثري في جزء من مساحة الموقع خلال الأعوام 1994 – 1998 م، ولا تزال أجزاء كبيرة من الموقع مدفونة تحت الكثبان الرملية. نفذت البعثة أعمالها في عمق طبقي للأرض يصل إلى 6 أمتار، وتبين أن الموقع مكون من طبقات استيطانية، كل طبقة تمثل مرحلة تاريخية معينة للإنسان الأول.

من خلال عمل المجسات الأثرية، أظهرت العديد من المؤشرات في الطبقات السفلى للموقع التي تمثل مرحلة من مراحل الاستيطان الأولى، يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد. لم يتم الانتهاء من حفر المجسات ودراستها للتوصل إلى معطيات تاريخية أقدم نظرًا لتوقف أعمال التنقيب فجأة نهاية عام 1998م.

 


 

النتائج العلمية لأعمال البعثة التي تمت في جزء من الموقع بعمق 6 أمتار توصلت إلى جزء من الطبقة العليا للموقع التي تمثل المرحلة التاريخية المتأخرة للاستيطان. بعد دراسة النتائج وتحليلها علميًا، تبين أن تاريخها يعود للفترة الممتدة من القرن 14 قبل الميلاد حتى بداية القرن 7 قبل الميلاد كفترة زمنية متأخرة للاستيطان.

 

اكتشفت أعمال البعثة مدينة أثرية قديمة على امتداد أفقي مكونة من ثلاثة أقسام:

 

منشآت المنطقة السكنية.

منشآت المنطقة الصناعية.

منشآت المجمع الديني.

كشفت نتائج التنقيب الأثري عن طبقة سميكة من الرماد والأخشاب المحروقة والطوب الخام المحروق، مما يدل على أن نهاية المدينة كانت بحريق هائل. وذُكر نقش النصر الموسوم 3945 RES. بين مخلفات الحريق، وجدت البعثة مقتنيات تدل على حياة الثراء، مثل الأواني والتماثيل الطينية وأدوات من الأحجار والعظام والبرونز، فضلاً عن أدوات الزينة من الأحجار الكريمة والذهب والصدف البحرية. كل ذلك يدل علميًا على ملامح ما كان سائدًا من حياة اقتصادية واجتماعية وتجارية مستقرة تعتمد على الصناعة والزراعة وتربية الحيوانات والصيد البحري.

 

مديرية تُبن: الشريان الحيوي

مديرية تبن تعتبر من أبرز المديريات في محافظة لحج، من الناحية التاريخية، السياحية، والاقتصادية، وينسب اسمها إلى وادي تبن، الذي يعد الأكبر والأهم في لحج. يتميز وادي تبن بتربته الخصبة التي جرفتها السيول من أعالي الجبال عبر القرون. شكلت المياه الجارية في الوادي وانتشار الأشجار على جانبيه بيئة مثالية للاستيطان الأول للإنسان اليمني القديم.

 

تتكون مساقط الأمطار التي تصب سيولها في وادي تبن من مساحات مرتفعة في محافظات إب، الضالع، وتعز، وتتلاقى روافد الأودية من هذه المحافظات في منطقة العقبة، حيث يتحد وادي عقان ووادي ورزان ليشكلا مجرى واحدًا شمال منطقة العند، ومنها تبدأ تسمية وادي تبن الذي يتفرع إلى فرعين: تبن الصغير وتبن الكبير. كلا الفرعين يغذيان الأراضي الزراعية والبساتين المنتشرة في شرق وغرب لحج، مما يجعل دلتا وادي تبن واحدة من أغنى وأجود المناطق الزراعية في اليمن.

 

على مر العصور، كان وادي تبن شريان الحياة لسكان لحج، حيث شُيدت على ضفتيه المستوطنات ودارت فيه العديد من الحروب والصراعات. كما ذُكر وادي تبن في نقش النصر في بداية القرن السابع قبل الميلاد. ورغم كل التغيرات التي مرت عبر الزمن، لا يزال وادي تبن يشكل سلة غذاء لسكان لحج، حيث تُزرع فيه العديد من المحاصيل الزراعية مثل الفواكه، الخضروات، الحبوب، بالإضافة إلى أشجار الزيتون والموز.

 

تعتبر بساتين وادي تبن من أشهر البساتين في اليمن، ومنها بستان الحسيني وبستان العرائس، اللذان يعتبران مقصدًا للزوار من لحج وعدن والمناطق المجاورة. يشتري الزوار الفواكه، الزهور العطرية مثل الفل والكاذي والريحان، ويقضون أوقاتًا ممتعة بين أحضان الطبيعة الساحرة. ورغم عدم توفر الخدمات السياحية الأساسية، إلا أن المنطقة تشهد إقبالًا كبيرًا خلال الأعياد والمناسبات.

 

**الصورة الرئيسية: مدخل قصر السلطان عبد السلام العبدلي السلامي، بني في 1928 في حوطة لحج جنوب اليمن (حلمي فهمي)

 

قائمة المراجع:

– القمندان، أحمد فضل محسن. هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن. دار العودة، بيروت- الطبعة الثانية، 1980.

– محيرز، عبد الله أحمد. العقبة. وزارة الثقافة، مؤسسة 14 أكتوبر- عدن. 1990-1992.

– لقمان، حمزة علي. تاريخ القبائل اليمنية. دار الكلمة صنعاء، 1985.

– الدكتور يوسف محمد عبد الله. المعجم السبئي: مدونة النقوش اليمنية القديمة.

– الهمداني، أبو محمد الحسن. صفة جزيرة العرب. تحقيق محمد بن علي الأكوع، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء -الطبعة الثالثة، 1983.

– البردوني، عبد الله. اليمن الجمهوري- الطبعة السادسة، 2008.

– الهيئة العامة للتنمية السياحية. تقرير نتائج المسح السياحي. 1997.

– المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف، عدن. تقرير مواقع أثرية مختارة للصيانة. جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقًا، 1980.