الإنتماء والعمق الوجداني
الإنتماء والعمق الوجداني
لحج الغد – بقلم/ ماهر العبادي أبو رحيل
في زوايا الروح حيث تسكن الذكريات، تتراقص الأفكار كأوراق خريفية تتساقط برفق. هناك، في عمق النفس، تنمو جذور الانتماء، وتتشابك مع خيوط الذاكرة، فتتشكل لوحة فنية من الألوان المتداخلة. إنني أستشعر كيف استوطنت تلك الذكريات أفئدتنا، وكيف أضحت جزءاً لا يتجزأ من هويتنا.
تأخذني الذكريات إلى الارض، حيث الطبيعة تحكي قصص الأجداد، حيث كل شجرة وكل صخرة تروي حكاية. هناك، في تلك البقعة، يتجلى جمال المكان بوضوح، ويتداخل مع روح الإنسان، ليصبحا كياناً واحداً. أستطيع أن أرى كيف أن الجغرافيا ليست مجرد حدود، بل هي موطن للأحلام والأشواق. تذكرني تلك المساحات الشاسعة بكثافة الحياة، وبالحنين الذي يتغلغل في كل لحظة.
في تلك الأبعاد النفسية، أجد نفسي غارقاً في التأمل، أسترجع لحظات الفرح والحزن، اللحظات التي تشكلت فيها شخصيتي، والتي أثرت في طريقي. أستشعر كيف أن معاناتنا وأفراحنا تجتمع لتصنع مزيجاً فريداً، يميز كل إنسان عن الآخر، كما تميز كل نجمة في السماء.
إن الثبات الجنوبي، كما الثبات الذي يشعر به الإنسان عندما يضع أصابعه في راحة اليد، هو شعور عميق بالانتماء. هو ذلك الإحساس الذي يجعلك تشعر بأنك في مكانك الصحيح، حتى وإن كانت الرياح تعصف حولك. في تلك اللحظات، تشعر بأن لديك جذوراً تمتد عميقاً، وأنك جزء من شيء أكبر، من تاريخ وتقاليد، من مجتمع يحمل في طياته قصصاً لا تنتهي.
ومع ذلك، لا يمكننا تجاهل أن هذه الجذور قد تكون مصدراً للصراع أيضاً. فكلما تعمقنا في فهم أنفسنا، كلما واجهنا التحديات التي قد تهدد سلامنا الداخلي. إن البحث عن الهوية في عالم متغير قد يكون رحلة شاقة، ولكنها ضرورية. تلك الرحلة تعلمنا كيف نتقبل الاختلافات، وكيف نحتفي بالتنوع، وكيف نبني جسوراً من الفهم والتسامح.
وفي الختام، أجد أنني أعود إلى تلك اللحظات البسيطة، إلى الهدوء الذي يلفني عندما أسترجع ذكرياتي. أستشعر أهمية أن أكون جنوبياً متجذراً في المكان والزمان، أن أعيش كل لحظة بكل تفاصيلها. فالحياة، كما هي، مليئة بالمفاجآت، ولكنها أيضاً مليئة باللحظات التي تجعلنا نشعر بأننا على قيد الحياة، تجعلنا نعود إلى جذورنا، إلى ما يجعلنا نحن.