تهامة: الكفاح والمقاومة لاستعادة الحرية والسيادة في وجه التسلط الزيدي
لحج الغد/كتب/ عبدالمجيد زبح
على مدى قرن كامل، تعيش تهامة تحت وطأة التهميش والتسلط من قبل الهضبة الزيدية منذ سقوطها في بداية القرن العشرين. ورغم التغيرات السياسية التي شهدها اليمن، ظلت تهامة تقاوم محاولات التسلط والاستبداد، مسجلةً تاريخاً حافلاً بالنضال والمقاومة. الحراك التهامي السلمي، الذي بدأ يتشكل قبل أحداث الربيع العربي، ويعد اليوم طوق النجاة الوحيد القادر على انتزاع الحق التهامي واستعادة حريته.
فمنذ بداية القرن العشرين، تتعرض تهامة للظلم والاستبداد من قبل القوى الزيدية، مما أدى إلى نشوء حركات مقاومة شعبوية تفتقر للتخطيط والرؤية الحقيقية لما بعد التحرر. هذا النقص في الرؤية الاستراتيجية وعدم القدرة على بناء تحالفات دولية قوّضت جهود تهامة في نيل حريتها واستقلالها. ورغم أهميتها الجغرافية والاقتصادية كونها تطل على البحر الأحمر وأحد أهم الممرات الدولية، إلا أن تهامة بقيت على هامش الاهتمام الدولي.
قبل أحداث الربيع العربي، بدأ الحراك التهامي يتشكل كحركة سلمية تحمل قضية تهامة إلى الساحة السياسية. بدون هذا الحراك، لم تكن تهامة لتحصل على إقليمها، رغم محاولات التذاكي السياسي من قبل القوى الزيدية بضم مناطق ذات أغلبية زيدية إلى إقليم تهامة لإضعاف نفوذها. فالحراك التهامي السلمي، المستند إلى إرادة قوية ورؤية واضحة، ( تهامة للتهاميين وحق تهامة لإهلها ) هو الوحيد القادر على انتزاع الحق التهامي وضمان مستقبل أفضل لأبناء تهامة.
تاريخياً، كانت تهامة تعاني من قمع سياسي واقتصادي ممنهج، حيث عمدت القوى الزيدية إلى استقطاب البعض وترهيب الآخرين، مما أدى إلى تشتت الحركات المقاومة. وفي الوقت ذاته، لم تكن الديمقراطية الحقيقية حاضرة في اليمن، حيث هيمنت القبلية والتباينات الحزبية على المشهد السياسي، مما عزز التسلط والهامشية التي عانت منها تهامة.
شهدت اليمن ما يسمى بالربيع العربي، ودخل اليمنيون في حوار وطني شاركت فيه تهامة، لكن بدلاً من تحقيق الحكم الذاتي، تم فرض نظام الأقاليم الذي ضم مناطق ذات أغلبية زيدية إلى تهامة، مما زاد من تعقيدات الوضع السياسي. ورغم ذلك، تمكنت تهامة من تشكيل حراك تهامي سلمي، الذي أصبح حامل القضية السياسية لتهامة. ورغم محاولات القوى الزيدية لإجهاض هذا الحراك باستخدام الوسائل القمعية، إلا أنه صمد بفضل إيمان ورغبة أبناء تهامة في انتزاع حقوقهم.
في عام 2014، سقطت الدولة اليمنية بيد مليشيات الحوثي، وكانت تهامة من أولى المناطق التي قاومت هذه الانقلاب. وتشكلت ألوية عسكرية بقيادة الحراك التهامي السلمي للدفاع عن الحق التهامي، ورغم التحديات الكبيرة، استمرت المقاومة. وهذا النضال يعكس إيماناً راسخاً بأن الحرية والكرامة لا يمكن التنازل عنهما.
اليوم، يتطلب النضال التهامي التفافاً حقيقياً من أبناء تهامة حول رؤية مشتركة. ويجب على التهاميين الانفتاح أكثر على المجتمع الدولي والإقليمي، وتحديد ما يريدونه بالضبط: هل يسعون للاستقلال أم للحكم الذاتي؟ وكيف ستكون علاقتهم بالمحيط الإقليمي والدولي، خاصة مع المملكة العربية السعودية والدول ذات التأثير في الشرق الأوسط.
وعلى الحراك التهامي يجب أن يتبنى رؤية متطورة وحديثة في التعامل مع المجتمع الدولي. وينبغي أن تكون العلاقة مع المملكة العربية السعودية علاقة استراتيجية مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وعلى تهامة أن تقدم نفسها كجزء أساسي من الاستقرار الإقليمي، مستفيدة من موقعها الجغرافي الهام ومواردها الاقتصادية.
وكذلك تحتاج تهامة إلى بناء علاقات غير مشروطة مع المملكة العربية السعودية، باعتبارها الأقرب جغرافياً والأكثر تأثيراً في المنطقة. وهذه العلاقات يجب أن تكون مبنية على التفاهم المتبادل والمصالح المشتركة، مع تركيز خاص على استقرار وأمن المنطقة. ويجب على تهامة أن تكون واضحة في تحديد أهدافها ومصالحها، وأن تبني حواراً بناءً مع المجتمع الدولي، وخاصة مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول ذات التأثير الكبير في الشرق الأوسط.
إن تهامة، بموقعها الجغرافي – الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر وأحد أهم الممرات الملاحية الدولية، تعتبر جزءاً أساسياً في الحفاظ على الأمن الدولي وضمان سلامة الملاحة البحرية. ويجب أن يدرك العالم والأقليم أن استقرار تهامة وأمنها يعتمد بشكل كبير على أبنائها وسكانها الأصليين، الذين يعرفون أرضهم جيداً ولديهم القدرة على حمايتها وتطويرها بما يتماشى مع المصالح الدولية.
أكثر من مائة عام عاشتها تهامة تحت التسلط والاستبداد، واليوم، يجب أن تحظى بحريتها وحقوقها. على المجتمع الدولي والإقليمي أن يدرك أن قضية تهامة لم تعد مجرد مشكلة داخلية، بل هي جزء من مشهد أكبر يتطلب التعاون الدولي لتحقيق السلام والعدالة. ويجب أن تحدد تهامة مصيرها بنفسها، وأن تبني علاقاتها على الندية والاحترام المتبادل، لضمان مستقبل أفضل لأبنائها. الحراك التهامي مع باقي القوى داخل البيت التهامي هم المفتاح لتحقيق هذه الأهداف، ويجب أن يكون هناك دعم وتفهم دولي لمطالب تهامة العادلة.
ملاحظة مهمة
هذه الصورة لأحد المنازل الشعبية في العاصمة التهامية الحديدة ويظهر عليها علم تهامة، التقطت في 29 يونيو 2009 الساعة العاشرة صباحًا، قبل أحداث 2011 وقبل الإعلان عن الدولة الاتحادية وإشهار إقليم تهامة بأربع سنوات.