مقالات

هشاشة التعليم مآله وخيم 

لحج الغد – عبدالله ناصر العولقي

قبل بضعة أيام كنت في مطعم الشيباني بالمنصورة، في انتظار وجبة العشاء، وكان بجانبي على نفس الطاولة ثلاثة شباب يتناولون مثل ما طلبت فول وخبز، وأثناء انتظاري للطعام، تناهت إلى مسامعي عبارة قالها الشاب القاعد بجانبي وكان واضح أنه يروي حديث لشخص غائب، حين قال : ،،قال لي أن حسن طافي،، وما كاد أن ينهي هذه العبارة حتى ضحك أحد أترابه في وجهه، وهو يصحح له كلمة طافئ بكلمة طائفي، يبدو أن اكتشافه السريع للكلمة الخطأ، يرجع لمتابعته سياق الكلام السابق الذي لم اعبأ به، ومع ذلك كان الأمر المضحك والمبكي معا، حين سأل الراوي صديقه بكل عفوية وما معنى طائفي؟ فحينها بات جليا للكل أن كلمة طائفي قد سبق وسمعها هذا الشاب بوضوح ، ولكن لجهله لمعناها لفظها على هواه!. أو ربما تصور أنها نفس الكلمة الذي لفظها خطأ ولكن محدثه حور نطقها بنوع من التفخيم اللفظي، الذي لم يبلغ هو إلى مستوى تقليده.

في الواقع لا أدري سبب استكانة هذا الراوي لكلمة طافئ، ومن المؤكد أنه لم يخترها من باب التلاعب بالألفاظ، ولكن ربما كان ترجيحه لها راجع لسعة انتشار هذه الكلمة بين أوساط الشباب والذي دخلت قاموسهم منذ سنوات عديدة كمصطلح يرمز ويلمّح للشخص المخدر، وذلك مع انتشار تلك الآفة الخطيرة والمدمرة، من الحبوب الممنوعة، وغيرها من المخدرات، الذي بدات بالانتشار في البلاد قبل الحرب بسنوات عديدة، ولكنها وجدت لها بيئة خصبة وجو مناسب خلال سنوات الحرب الطويلة، ساعدا على رواج تجارتها واسهما في ارتفاع اعداد ضحاياها من الشباب، لتضيف هذه الحرب فوق حطام البنايات والجسور والطرق التي دمرتها، حطام آخر وهو عقول بعض الشباب، الذين قادهم ضعف الوعي وقصر الفكر، إلى طريق تلك السموم المدمرة للصحة والعقل معا، فتحولوا إلى حطام إنسان، أو إلى إنسان طافئ، كما يرمز دلك المصطلح الذي لم يأت من فراغ!.
وربما لم يذهب فكر هذا الشاب إلى ذلك المصطلح، كما تصورت، فكلمة طافئ لها معان أخرى ايضا، لذلك من المحتمل أن يكون لانقطاعات التيار الكهربائي المتكررة والطويلة في عدن والتي عانى منها الناس أشد المعاناة، أثرها الخفي في تجذير كلمة طافي في أعماق نفس هذا الشاب، فافقدته روح التمييز بين، نور الكهرباء طافئ، وبين، حسن طافئ!!.
طرحت على ذلك الشاب، سؤال سريع، حتى لا أكون ثقيل عليه أثناء الطعام، وهو: ما مستواك الدراسي؟، فاجاب ثانوية عامة ولا أرغب في دخول الكلية، وتدخل صديقه وهو يضحك، قائلا، لئنه يكره التعليم!.
من الواضح أن المستوى الثقافي لهذا الشاب لا يمثل إلا نموذج ضئيل بين الكم الهائل الذي يتكشّف كل يوم عبر المواقف الكثيرة التي نصادفها، أكان بشكلا مباشر أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، مع خريجي كليات وطلاب، والتي تبرز الحال الصادم للتدني الكبير في مستواهم الثقافي والعلمي، والذي مرده التهاوي الكبير للعملية التعليمية في بلادنا، فالمدارس الحكومية لم تعد تقوم بالدور المناط بها في تقويم سلوك التلاميذ وتنشيط غريزة التقصي للمعرفة لديهم.
والأكيد أن الذين يدرسون في المدارس الخاصة، يعانون أيضاً من قصور وانخفاض في مستواهم العلمي، لكون توسع هوة الانحدار في التعليم الحكومي، يرتد تأثيره على التعليم الخاص، وذلك لأنه يفقده روح المنافسة وشهية السير بخطى متقدمة على المدارس الحكومية.
وفي الأخير ينبغي على الحكومة القادمة، والتي لم تفقس بيضتها بعد، الاهتمام بالتعليم، فحطام الحرب ممكن تشييده، ولكن حطام العقول من الصعب تعويضه!؟.