مقالات

عيدروس الخريشي: شعلةٌ من ردفان أضاءت دروب النضال الجنوبي

محمد سعد الحريزي

Img 20251015 Wa0145وه

​في تضاريس الجنوب الشامخة، وبين ثنايا جبال ردفان التي أنجبت الثوار ونحتت أسماءهم في ذاكرة الوطن، يبرز اسم الشيخ المستشار عيدروس حسن محمد الخريشي، كأحد تلك القامات التي وهبت حياتها لقضية شعب، ورسمت بمسيرتها فصلاً من فصول التضحية والعطاء. لم يكن الخريشي مجرد رقم في سجل المناضلين، بل كان روحاً متقدة بالعزيمة، وعقلاً سياسياً فذاً، وقلباً ينبض بحب الجنوب.
​منذ نعومة أظفاره، تشرب الشيخ عيدروس روح النضال كما يرتوي الزرع من غيث السماء. نشأ في بيئة سياسية واجتماعية جعلت من العمل الحزبي والوعي الوطني جزءاً لا يتجزء من تكوينه. لم تكن السياسة بالنسبة له ترفاً فكرياً، بل كانت واجباً ومسؤولية، وقناعة راسخة بأن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها المخلصين. هذه النشأة المبكرة صقلت شخصيته، ومنحته بصيرة نافذة ورؤية سياسية عميقة، أهلته ليكون أحد الأصوات المؤثرة والمستشارين الموثوقين في مسيرة الحراك السلمي الجنوبي منذ بزوغ فجره الأول.
​حضور لا يغيب.. وعطاء لا ينضب
​ما من ساحة هتفت بالحرية، ولا من ميدان صدح بالحق، إلا وكان للشيخ عيدروس فيه أثر وبصمة. لم تكن مشاركاته في فعاليات ومظاهرات الثورة الجنوبية في ردفان، عدن، الضالع، يافع، وغيرها من مدن الجنوب، مجرد حضور عابر، بل كانت تجسيداً حياً لإيمانه المطلق بقضيته. كان يتقدم الصفوف، لا يخشى صوتاً ولا يرهب تهديداً، حاملاً همّ شعبه على كتفيه.
​ولم يكتفِ بالوجود الجسدي، بل سخّر إمكانياته لدعم صمود الجماهير. فكانت سياراته وموارده في خدمة الثوار، تجوب الساحات وتقدم ما يمكن تقديمه، في صورة من صور التكافل النضالي التي عززت من صمود الحراك وألهمت الكثيرين. وحين تحولت دفة النضال، لم يتردد في أن يكون أحد أبرز داعمي المقاومة المسلحة التي قادها رفيق دربه العميد مختار النوبي ، مدركاً أن تحرير الأوطان يتطلب تضحيات جساماً.
​مناضل في زمن الجحود
​لكن، وكما هي حكاية الكثير من الأبطال الحقيقيين، فإن حجم التضحية لا يقابله دائماً حجم التقدير. فبعد كل هذا التاريخ المشرف، وهذه المسيرة الحافلة التي يعرفها القاصي والداني، وجد الشيخ عيدروس نفسه، ومعه كوكبة من المناضلين الشرفاء، في الظل. في مفارقة مؤلمة، تم تهميش أولئك الذين زرعوا وحصدوا الأشواك، بينما تصدر المشهد من كانوا بالأمس القريب في الضفة الأخرى، يجنون الثمار ويحصدون المزايا والمناصب. إنه واقع مرير يكشف عن أزمة وفاء وتقدير في جسد الثورة، ويطرح سؤالاً جوهرياً حول كيفية الحفاظ على نقاء الأهداف التي ضحى من أجلها هؤلاء الرجال.
​نداء الوفاء.. وإنصاف الرجال
​من هنا، ومن منطلق المسؤولية التاريخية والأخلاقية، نطلق هذا النداء إلى كل رفاق الدرب والنضال، إلى كل من عاصروا الشيخ عيدروس حسن وعرفوا معدنه الأصيل وعطاءه الذي لا ينضب : إن تكريم هذا الرجل وتكريم أمثاله من الشرفاء ليس مجرد لفتة شخصية، بل هو تكريم لقيم الثورة ذاتها. إن إعادة الاعتبار لهؤلاء المناضلين، سواء عبر مناصب سياسية تليق بخبرتهم وحكمتهم، أو من خلال التكريم الشرفي الذي يحفظ مكانتهم، هو واجب وطني لا يحتمل التأجيل.
​فالأمم الحية هي التي تكرم أبطالها وتضعهم في المكانة التي يستحقونها، لأن في تكريمهم رسالة للأجيال القادمة بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين. إن وضع الرجال النزهاء، أصحاب التاريخ النظيف، في مراتب القيادة هو الضمانة الحقيقية لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، وبناء مستقبل مشرق يتسع لجميع أبناء الجنوب