في كل محافظة من محافظات أرض الجنوب الحبيب، تُولد شخصيات قلّ أن يتكرر مثلها، وتكون بمثابة شعلة نور في زمن الظلام، وسيف عدل في وجه الظلم والفساد. وفي محافظة لحج، تلك المحافظة العريقة بتاريخها ونضالها، سطعت شمس رجل قلّ نظيره، رجل لا يعرف للمجاملة طريقًا إذا تعارضت مع الحق، ولا يتردد لحظة في اتخاذ القرار إذا تعلق بأمن وسلامة وطنه ومحافظته، إنه القاضي حنش الداعر، خير ما أنجبت لحج، ورجل المواقف في زمن التلون والتخاذل.
القاضي حنش الداعر ليس مجرد مسؤول عابر في سجل المناصب، بل هو مدرسة في الالتزام والانضباط، وصورة ناصعة للقاضي الحقيقي الذي لا يخشى في الحق لومة لائم. عُرف عنه التمسك بالقانون، واحترام هيبة الدولة، والدفاع الشرس عن سيادة محافظة لحج، حتى وإن كلفه ذلك أن يقف في وجه كبار المتنفذين، أو أن يدفع ثمن ذلك من راحته وأمنه وربما حياته.
لقد أعاد القاضي حنش إلى القضاء معناه الحقيقي، حين جسّد العدالة في ممارسته اليومية، لا مجرد شعارات تُقال. ومن خلال عمله في نيابة الأموال العامة، واجه الفساد المالي والإداري بكل جرأة، ووقف سداً منيعاً في وجه كل من تسوّل له نفسه العبث بمقدرات الناس.
ما يميز القاضي حنش الداعر، هو وفاؤه النادر بالعهود والمواثيق. فهو رجل إذا وعد صدق، وإذا تحدث أوفى، وإذا عاهد كان مستعدًا لأن يضحي بروحه في سبيل أن لا يُخلف وعده. وهذه الصفات ليست مجازية أو مديحًا فارغًا، بل هي حقيقة تكرّست في مواقف كثيرة شهد لها القاصي والداني. لا يتحدث القاضي إلا وفي حديثه صدق الرجال، ولا يتخذ قراراً إلا وكان منطلقه حماية الناس وصون كرامتهم.
في الوقت الذي تهاوت فيه الكثير من القيم، وارتفعت أصوات الفوضى في البلاد، وقف القاضي حنش كصخرة صلبة أمام كل محاولات العبث بسيادة محافظة لحج. لم يسمح – ولن يسمح – لأي جهة كانت، أن تمس أمن المحافظة أو أن تزعزع استقرارها. فبالنسبة له، لحج ليست مجرد محافظة في الخريطة، بل هي شرفٌ غالٍ، وكرامةٌ لا تُمس، وهو مستعد للتضحية بكل شيء مقابل أن تبقى لحج شامخة عزيزة آمنة.
ليس غريبًا أن يحظى القاضي حنش الداعر باحترام واسع بين أبناء المجتمع في لحج، بل وخارجها. فقد استطاع أن يكسب قلوب الناس بثبات مواقفه، وعدله، وبساطته، وتواضعه رغم مكانته. فهو من القلائل الذين إن رأيتهم، رأيت الهيبة مقرونةً بالمحبة، والحزم مشفوعًا بالرحمة. يطرق بابه المظلومون قبل الأقوياء، ويعود الناس من مجلسه وهم على يقين أنهم كانوا أمام قاضٍ يحمل همّ الناس لا همّ المنصب.
في زمن قلّ فيه الرجال، يظل القاضي حنش الداعر عنوانًا للصدق والمروءة والثبات. رجل إذا ذكرت اسمه ذكرت المواقف الحازمة، والقرارات الصائبة، والعدل في أقسى الظروف. إنه ليس مجرد قاضٍ، بل رمزٌ لحجّ ولليمن كله، ودرسٌ في الوطنية والنزاهة والانتصار للمظلوم.
رحم الله من أنجبه، وأدامه سندًا لهذه الأرض التي لا تنجب إلا الكبار.