مقالات

مملكة الخير والعطاء تفتح ذراعيها لاستقبال ضيوف الرحمن

 

لحج الغد /بقلم د/علي عفيفي الأهدل

حَجُّ البَيْتِ: رِحْلَةُ القَلْبِ إلَى السَّمَاءِ، وَضِيَافَةُ الرَّحْمَنِ عَلَى أَرْضِ شَهِدَت وِلادةَ الدينِ الإسلامي

ما الحجُّ إلّا سَفَرُ الأرواحِ إلى معارجِ الصفاء، وموسمُ الطهرِ الكبير، وشعيرةٌ تعبديةِ تجتمع فيه القلوبُ من أقطار الأرض، كأنها نُجومٌ تهفو إلى قُطْبِها، أو أطيارٌ نَزَحَتْ نحوَ روضِ الأمان.

هُناك في مكة، حيثُ تعتنقُ الأرضُ السّماء، وتُبسطُ الرحمةُ على العباد كأنّها سَحَابَةٌ بيضاء، يُقامُ رُكنُ الإسلام الأعظم، وتَذْرِفُ القلوبُ دُموعَ التوبةِ على أعتابِ بابِ الرّجاء، وتلتحمُ الأكفُّ في دعواتٍ تعبرُ السَّمْتَ إلى حيثُ العرشِ العليِّ، كأنّها رسائلُ النّدى في فجرِ الوجدِ الخاشع.

والمملكةُ العربيّةُ السعوديّةُ—حَرَسَها اللهُ—قد نذرتْ نفسها لخدمةِ هذا الركن العظيم، وجعلتْ من خدمتها لضيوفِ الرحمنِ شرفًا يفوقُ التّاجَ على الرؤوس، فكانت كالأمِّ الحانيةِ ترعى أبناءها، أو كالسّقّاءِ في قلبِ الهجيرِ، يحملُ الماءَ على كتفيهِ ليسقي العطاشى من موردِ الكرامة.

منذ أن تسلّمَ آلُ سعودٍ—وفّقهم الله—زمامَ الأمر، والمشاعرُ المقدسةُ ترفلُ في ثيابِ التّطويرِ والعزِّ، فها هو الحرمُ يتّسعُ عامًا بعد عامٍ، كأنّه صدرُ الكعبةِ الذي يضمُّ العالمَ كلّه، لا يضيقُ بأحدٍ، ولا يغلقُ بابَهُ دونَ وافدٍ.

الطرقاتُ المعبّدةُ كأنّها خُيوطُ نورٍ تنسجُها الملائكةُ على الأرض، والجسورُ تُشبهُ سُلَّمًا إلى الجنة، والخدماتُ الطبيةُ تحاكي لطفَ الرّوحِ حين تمرُّ على جراحِ الجسد، والجنودُ الساهرون على أمنِ الحجيج، كأنّهم نجومٌ تسهرُ كي لا تغفو عينُ الأرضِ عن ضيوفِ السّماء.

والمشاعرُ نفسها تتهلّلُ فرحًا، وكأنّ منًى عروسٌ تُزفُّ كلّ عام، وعرفاتُ جبلُ الودِّ، يتنفسُ التوبةَ في يومِها العظيم، والناسُ هناك سَواسِيَةٌ، لا يُعرفُ الغنيُّ من الفقير، ولا القويُّ من الضّعيف، فكلُّهم عبيدٌ لربٍّ واحد، وكلُّهم حجيجٌ على بابِ رحمةٍ واحدة.

فيا لسَناءِ ما تقومُ به المملكةُ! ويا لجمالِ تلك القلوبِ التي تُنفقُ من جهدِها ومالِها وسَهرِها في سبيلِ إكرامِ الحاجِّ والمعتمر! كأنّهم يمشونَ على الأرضِ وقلوبُهم في السّماء، يبنونَ في كلّ موسمٍ صفحةً جديدةً من كتابِ المجدِ الإسلاميّ البهيّ.

الحجُّ مَسيرةُ النقاء، والسعوديةُ خادمتُهُ الأمينة، التي أضاءتْ الدّربَ للوافدين، وسَقَتْ أرواحَهم من زمزمِ الكرمِ، وجعلتْ من كلِّ عامٍ موسمًا يفوقُ الذي قبلهُ تنظيمًا وبذلًا وضياءً، وتبذلُ مجهوداً جباراً لإثْراءِ خدمةِ الحجيج فهى تَرعَى الثّقلَ الإسلاميَ في شَتّى المجالاتِ وتُسخرُ إمكانِياتَها وطاقتَها البشريةَ والماليةَ لراحةِ وخدمةِ ضيوفِ الرحمن..

فطوبى لها هذا الشرف، وطوبى لكلّ يدٍ عملتْ في صمتٍ لتكونَ يدًا من نورٍ على طريقِ ضيوفِ الغفورِ الشكور.