أخبار المحافظاتتقارير وتحقيقات

ريف تعز: أطفال يبيعون الخبز لأجل العيش

لحج الغد - تقرير - تعز : زكريا المشرع

ريف تعز: أطفال يبيعون الخبز لأجل العيش
تُعد الكدر مصدر دخل كثير من العائلات الريفية رغم عائدها المنخفض

على طريق الضباب المؤدي إلى مدينة تعز، يصطف العديد من أطفال القرى يوميًا من ساعات الصباح الباكر وحتى الظهيرة، حاملين “الكَدِر” (وهو نوع من الخبز الذي يتم إعداده منزلياً) لبيعه على المارة والمسافرين، لتأمين لقمة العيش لأسرهم.

وخلال السنوات الأخيرة تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن، حيث أجبرت الأوضاع المعيشية الصعبة العديد من الأطفال -خاصة في المناطق الريفية- على ترك مدارسهم، والانخراط في أعمال مختلفة مقابل دخل زهيد.

حين يصبح الخبز أملًا للحياة

“حمزة الضبابي”، أحد هؤلاء الأطفال، يروي لمنصة ريف اليمن، كيف يحرص على التواجد مبكرًا كل يوم ليتمكن من بيع ما لديه من “الكَدِر” الذي تصنعه أسرته فجرا، موضحًا أن الأطفال يتسابقون للوصول إلى الزبائن والمسافرين، محاولين إقناعهم بالشراء.

ويضيف حمزة بحسرة: “في كثير من الأحيان نعود إلى المنازل بوجوه شاحبة، وقلوب مثقلة بالخيبة بعد أن نفشل في بيع كامل الكمية”. ورغم المخاطر والتعب، لا يكفي ما يكسبه هؤلاء الأطفال لسد احتياجات أسرهم الأساسية إلا بالحد الأدنى.

ب 500 ريال يمني أي ما يعادل (0.22 دولار)، وهو مبلغ زهيد مقابل الأتعاب التي تُبذَل لصناعة الخبز، وبيعه تحت أشعة الشمس الحارقة.

ويعتمد سكان الأرياف اليمنية بشكل كبير على الأطفال في أداء الأعمال منذ سن مبكرة، حيث يُكلَّفون بأدوار ومسؤوليات تفوق أعمارهم، وتُثقل كاهلهم، مما يحمل تأثيرات عميقة عليهم، جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا، وينعكس سلبًا على حياتهم المستقبلية.

أطفال ريف تعز.. حين يصبح الخبز أملًا للحياة
تفاقمت عمالة الأطفال بعد اندلاع الحرب وأضحى 29% من الأطفال منخرطون في العمل (ريف اليمن)

“أمين عبدالله” (54 عامًا)، أحد سكان المنطقة، أكد أن ظاهرة بيع الكدر توسعت بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كانت سابقًا تقتصر على عدد قليل من البائعين، لكنها اليوم أصبحت مصدر دخل لكثير من العائلات الفقيرة رغم العائد المادي المنخفض، وسط تصاعد الفقر، وتزايد أعداد العاطلين عن العمل.

حرمان من التعليم

وأظهر مسح عنقودي متعدد المؤشرات أجراه الجهاز المركزي للإحصاء بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن 29% من أطفال اليمن منخرطون في العمل، وتتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً. ووفق تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية في يونيو/حزيران 2021، احتل اليمن المركز الأول عربياً لعمل الأطفال بنسبة 13.6%.

إلى جانب حرمانهم من التعليم، يقول التربوي “أنور العامري” إن هؤلاء الأطفال الذين يعملون في الشوارع والأسواق يواجهون مخاطر متعددة، أبرزها سوء التغذية، والاستغلال، والاعتداءات الجسدية والنفسية.

ويؤكد العامري خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، أن أطفال القرى الريفية يعملون لساعات طويلة، وغالبًا حتى أوقات متأخرة من الليل دون راحة، وفي بيئات غير آمنة؛ مما يعرضهم لمخاطر الحوادث والاستغلال.

من جهتها، أشارت الأخصائية المجتمعية “داليا محمد”، رئيسة مؤسسة “لأجلك”، إلى أن عمالة الأطفال لها تأثيرات خطيرة على صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية، موضحة أن العديد منهم يعانون من الضغوط النفسية نتيجة فقدان آبائهم بسبب الحرب، أو بسبب تعرضهم لأعمال العنف، ما يزيد من معاناتهم اليومية.

أطفال ريف تعز.. حين يصبح الخبز أملًا للحياة
أطفال في أيديهم نوع من الخبز الذي يتم إعداده منزليًا لبيعه على المارة والمسافرين غربي تعز(ريف اليمن)

مسؤولية مبكرة

وتلفت داليا إلى أن عمالة الأطفال في اليمن ظاهرة قديمة، لكنها تفاقمت بشكل ملحوظ بعد اندلاع الحرب، حيث فقد آلاف الآباء وظائفهم؛ ما دفع الأطفال إلى تحمل المسؤولية وإعالة أسرهم، مشيرة إلى أنه ومع استمرار الصراع وغياب فرص العمل، بات الكثير من الأطفال مضطرين للعمل في مهن خطرة، أو غير مناسبة لأعمارهم.

وترى داليا محمد أن القضاء على عمالة الأطفال في ظل الأوضاع الحالية أمر صعب، لكنها تؤكد أهمية تنفيذ برامج توعية، وتوفير بيئات عمل آمنة للأطفال الذين لا خيار لهم سوى العمل، إلى جانب وضع خطط استراتيجية من قِبَلِ الدولة لتحسين الظروف الاقتصادية، وخلق فرص عمل للعائلات، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الأطفال كمصدر دخل للأسرة.

وتشدد على أهمية تحسين أوضاع هؤلاء الأطفال عبر برامج دعم التعليم، والمبادرات المجتمعية لمساعدتهم على التوازن بين العمل والدراسة، ومنحهم فرصة لبناء مستقبل أفضل من خلال جهود جماعية من الحكومة والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية؛ لتخفيف معاناتهم، وحمايتهم من الاستغلال، بما يضمن لهم طفولة آمنة.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن عمالة الأطفال في اليمن باتت واحدة من ظواهر الحرب المؤلمة، في ظل غياب الحماية من قبل الجهات الرسمية، وتدني تدخلات الوكالات الدولية والمنظمات الأممية لتوفير الحماية والحياة الكريمة للأطفال..

عن ريف اليمن