من التاريخ المرير والحروب المدمرة لتحقيق الأطماع التركية والزيدية للإستيلاء على عـدن ولحج وبقية أراضي الجنوب العربي نورد هذا الموضوع الذي سبق نشره في “شبوه برس” منذ سنوات :
“قال بو سعدان الخيل في الشقعة ترد العناد ..ماتخرج على شان” .. للشاعر اللحجي “فضل ماطـر”
في بداية الموضوع يقدم محرر “شبوه برس” نبذه عن معنى “القمندان” الذي يحمله الشاعر الأمير والقائد العسكري والمهندس الزراعي والعازف الموسيقي “أحمد بن فضل بن علي العبدلي” المشهور بالـ “القمندان” وهي كلمة محرفة من اللغة الانجليزية The army commander .. وكان الأمير “أحمد بن فضل” قائد جيش السلطنة العبدلية ومن أراضيها مدينة عـدن التي احتلها الأنجليز في 19 يناير 1839م وتم إقتطاعها من أملاك السلطنة العبدلية .
في يوم السبت 21شعبان 1333هجريه الموافق 3يوليو 1915 (بعد استيلائه على الضالع) تقدمت القوات التركية بقيادة “علي سعيد باشا” والقبائل الزيديه الى منطقة العند استعدادا لاقتحام الحوطة والتوجه من إلى عدن .
أبلغ القائد التركي الامير “أحمد فضل العبدلي القمندان” الذي عسكر بقواته وشباب المقاومة في قرية دكيم القريبة من العند بان يسمح للقوات التركية بالعبور إلى لحج وعدن لكن الامير رفض .
وتلاقى الجيشان في قرية الدكيم حيث حصلت معركة هناك انتصر فيها الجيش العثماني على قوات السلطنة العبدلية نظرا للفارق الكبير في العدة والعدد بين جيش السلطة العبدلية وجيش الإمبراطورية العثمانية والتي كانت تحتل اليمن وكثير من البلدان العربية .وبعد أن أدرك العبادل قوة الجيش العثماني انسحبوا بقواتهم من قرية دكيم نحو الحوطه لتأمينها.
حيث أدرك “القمندان” أن لا قبل له في مواجهة الاتراك بجيشهم الجرار و إمكانياتهم الضخمه وسلاحهم الفتاك و القبائل الهمجية “الزيدية” وفضل العودة إلى إلحوطه لتدارس الوضع مع السلطان .
قابله في الطريق “العاقل محمد سالم النوم” في قرية الشقعه ومعه قبائل ال النوم و ال حيدره و ال المعرار و باعجير وغيرهم الذين قدموا لمحاربة الاتراك
فقال العاقل للقمندان : تهرب يا أمير ومعك عساكرك
رد الأمير “أحمد فضل” قائلا : النكسة على الهزيمة
لكن قبائل الشقعه تقدمت وقاتلت الاتراك و القبائل الغازيه وقتل منهم الكثير وجاء المدد و الاسناد من قبائل القريشي ال الشاؤوش و ال بعساس ولكنهم وقعوا في الحصار من قبل الاتراك و اسرع نسوة من القريشي ممن يحملن السلاح بمحاصرة فرقة الاستطلاع التركية وهن فاطمة بنت محمد عمر العاقل ونعمة بنت حسن سالم و عبودة بنت حسن بعساس وكعبه بنت سالم و اختها خديجه ونكفه و حفصه والزهراء و الشرقيه ام احمد بنت هادي بعساس وغيرهم
وعلم القائد علي سعيد باشا بالأمر وجاء بنفسه لمخاطبة النسوة وفك الحصار لفرقته وحياهن على شجاعتهن وابلغهن بانه عربي من الأسكندرون بسوريا ولا يريد الاذى بأحد من أهالي لحج , ولكنه جاء لمحاربة الانجليز الكفار وطردهم من ارض المسلمين في عدن
تقدمت “الشرقية أم أحمد” تطلب فك الحصار عن أزواجهن و أولادهن ويمنحهم الامان وعلى الفور أمر بفك الحصار على أهل القريشي و الشقعه مقابل فك الحصار على فرقة الاستطلاع التركية وبهذه الحادثة قدم الشاعر الشعبي
الفنان فضل ماطر اغنيته الشهيرة قال بو سعدان :
قال بو سعدان الخيل في الشقعه ترد العناء ما تخرج إلا على شان
قال بو سعدان قد ركبوا المدفع على القريشي وذي حــل في ســفـيان
تقدمت القوات التركية والقبائل اليمنية الزيدية إلى مدينة الحوطة عاصمة لحج وتعرف بـ حوطة مزاحم” وهرب أهالي الحوطه الى القرى الشرقية الحمراء و الثعلب و المجحفه وغيرها وتوجه السلطان و الأمراء الى عدن وسكنوا في بيت السيد “على البـار” بحي القطيع بكريتر .
وقال الشاعر الشعبي فضل ماطر:
لحج بعد السلى تبكي
وبعد حكم عبدلي
يحكمش زيدي وتركي .
أما الشاعرة الشعبية صوبل الصوملي وصفت حال لحج بعد الاحتلال تركي وقالت :
يا لحج ناظرتش من الحمراء وأنتي في شتات
لما متى باتحزني على الذي أوصى ومات
لحج أمنا وأيش بانقول في لحج محمي بالنمار
تداول الناس أشعار “صوبل” وعلم علي سعيد باشا بإشعارها وأمر بإحضارها إلى دار القفع مركز القيادة التركية وعند حضورها طلب أن تسمعه من أشعارها قالت :
قــد شل ريـشـك وا مـقـيـبـل كـيـف عاد باطـيـر
أصبر على ضيق القفص وذوق الحالي و المرير
وعـلـي سـعـيـد بـاشـا مـطـنـطـن فـوق الــسريـر
ضحك القائد التركي وحياها على شعرها وطلب منها أن تكون رسولته إلى أهالي الحوطة أن يعودوا إلى مساكنهم وأعمالهم ولهم الأمان لكنها اشترطت خروج القبائل الزيديه منها وعاد أهل الحوطه..
وبعد أن تم للقوات العثمانية وعلي سعيد باشا السيطرة على لحج، بدأ العثمانيون بالتحرك نحو عدن.
نجح الاتراك في السيطرة على مدينة الشيخ عثمان، غير أن البريطانيين استرجعوها بعد بضعة أشهر ,قصفت الطائرات الانجليزية الحوطة وهرب الأهالي ثانية إلى القرى رغم وعد الاتراك بحمايتهم وبناء ستة أنفاق تحت الأرض في الحوطة للاختباء من الغارات ولكن الأهالي فضلوا البقاء في القرى حتى خرج الاتراك ..
حيث سلم نفسه علي باشا للبريطانيين في عدن بموجب اتفاقات إنهاء الحرب العالمية الأولى وتم ترحيله من عدن إلى تركيا
وعاد السلطان “عبدالكريم فضل” والأمراء العبادل والأهالي إلى الحوطة في 11ربيع الاول 1337هجريه الموافق 14ديسمبر 1918م وسط زغاريد النسوة والزوامل الشعبيه وتلاوة الموالد النبوية التي عمت مدينة الحوطة .