حين يبدأ التسامح من البيت يتحقق السلام في العالم..
لحج الغد – الهام زارعي
أن التسامح في الأسرة..
يعني تقبل الاختلافات بين أفرادها، سواء في وجهات النظر أو الشخصيات أو حتى الأخطاء التي يرتكبها البعض.
إن مؤشر التسامح يوضح مقدرة الأفراد على تجاوز المشكلات والخلافات بروح المحبة والتفاهم، دون اللجوء إلى العنف أو التسلط. التسامح لا يعني غياب الحدود، بل يعني وجود مساحة للتفاهم والحوار والإصلاح.
ومن المهم الإشارة هنا لأهم نقاط التسامح في الأسرة وهي:
• القدوة الحسنة: حيث يلعب الآباء دورًا كبيرًا في تعليم الأبناء التسامح من خلال ممارستهم له في حياتهم اليومية. عندما يرى الأبناء آباءهم يتعاملون بتسامح مع الآخرين، سواء كانوا جيرانًا أو زملاء أو حتى أفرادًا غرباء، فإنهم يتعلمون تطبيق نفس السلوك.
• التواصل الفعّال: الحوار بين أفراد الأسرة يفتح المجال لتوضيح الأفكار والمشاعر، مما يقلل من سوء الفهم ويعزز التسامح. عندما يشعر كل فرد بأن صوته مسموع وأن رأيه محترم، يصبح من السهل تجاوز الاختلافات.
• تقبل الأخطاء: جميع البشر يخطئون، والتسامح في الأسرة يتجلى في تقبل الأخطاء دون إطلاق الأحكام القاسية. التصحيح بروح إيجابية يعلّم الأبناء كيفية التعلم من أخطائهم بدلًا من أن يشعروا بالذنب أو العزلة.
• احترام المرأة في الأسرة: ليس فقط علامة على التحضر والوعي، بل هو أساس بناء مجتمعات عادلة ومتزنة. عندما تُعامل المرأة، سواء كانت أمًا أو أختًا أو زوجة أو ابنة، بالكرامة والاحترام داخل الأسرة، يتعلم الأطفال أن العدالة تبدأ من احترام الإنسان مهما كان جنسه.
في المقابل، إذا نشأ الأطفال في بيئة يشهدون فيها الإساءة للمرأة – سواء كانت هذه الإساءة لفظية أو جسدية – فإنهم يحملون هذه الممارسات معهم إلى مجتمعاتهم ومواقع المسؤولية. كيف يمكن لمسؤول نشأ في بيت تُضرب فيه أمه أمام عينيه أن يحمي حقوق الضعفاء والمظلومين؟ وكيف يمكن لشخص ترعرع على سماع الإهانة الموجهة للنساء أن يدرك قيمة المساواة والكرامة الإنسانية؟
إن بناء العدالة في المجتمعات يبدأ من احترام المرأة في الأسرة. فالمرأة التي تُكرَّم في بيتها تصبح قادرة على تمكين نفسها، ومن ثم تمكين مجتمعها بأكمله، حيث تكون شريكة مع الرجل في صنع القرارات وتحقيق التغيير.
• تعزيز قيمة التنوع: الأسرة التي تحتضن التنوع داخلها – سواء كان في الأفكار أو الشخصيات أو الثقافات – تعلم أفرادها أن الاختلاف يمكن أن يكون مصدر قوة وإبداع بدلًا من كونه مصدرًا للنزاع.
• التعاطف والمساندة: تعزيز مشاعر التعاطف بين أفراد الأسرة يساعد على فهم احتياجات الآخرين ومشاعرهم. عندما يشعر الجميع بأنهم مدعومون ومفهومون، تقل المشاحنات ويزيد التآلف.
وعلينا أن ندرك أن المجتمع المتسامح يبدأ من الأسرة المتسامحة. فعندما يتعلم الأبناء في بيئتهم الأولى كيفية احترام الآخرين والتعامل مع الاختلافات بحكمة، فإنهم ينقلون هذه القيم إلى مجتمعاتهم. التسامح الأسري يخلق أفرادًا قادرين على التفاعل بوعي مع التنوع الثقافي والاجتماعي في العالم الخارجي.
كما أن الأفراد الذين ينشؤون في أسر متسامحة يميلون إلى حل خلافاتهم بالطرق السلمية، مما يعزز الوحدة داخل المجتمع ويقلل من احتمالية النزاعات المجتمعية الكبيرة، لأن الأفراد قد تعلموا منذ نعومة أظفارهم كيفية حل خلافاتهم بالحوار والتفاهم.
وبالتالي ينعكس على التفاعل بين الأمم والثقافات، مما يساهم في خلق عالم ينعم بالسلام والاحترام المتبادل.
إن التسامح والتعايش في الأسرة هو المفتاح لصنع عالم أفضل. إذا أردنا مجتمعات متعايشة وعالمًا ينعم بالسلام، يجب أن نبدأ ببناء هذا الأساس داخل منازلنا. ومن أهم ركائز هذا البناء، احترام المرأة داخل الأسرة، فهي شريكة في صنع الحياة وقلب العدالة. إن الأسرة التي تُرسخ قيم التسامح والاحترام تزرع بذور السلام التي تنمو لتغطي المجتمع بأسره، وتصل إلى العالم بأكمله.