الحوثيون وتهديد أمن المنطقة
كتب/ د. صلاح الغول
منذ انقلابهم على الحكومة الشرعية في اليمن عام 2014، أشعل الحوثيون صراعًا أهليًا ممتدًا تجاوز عشر سنوات.
وأفضت سياساتهم إلى أزمة اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة في العصر الحديث، وتورطوا في محاور إقليمية أفضت إلى تهديد أمن المنطقة بصورةٍ مباشرة.
وبعد أكثر من عشر سنوات من الصراع، يعيش اليمن حالة من التقسيم الواقعي بين ثلاث قوى رئيسية، وهي: الحكومة الشرعية، وجماعة الحوثيين، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وتم تكريس وضع اليمن دولة فاشلة على الحدود الجنوبية لدول مجلس التعاون الخليجي وعلى مفترق طرق الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب وحوله.
بل إنّ ثمة احتمالاً بأن يتحول اليمن إلى بؤرة للإرهاب الدولي في ضوء ما كشفته التقارير الإخبارية عن تنسيق بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، وتمدد “داعش” في اليمن.
وطبقًا للتقارير الدولية والأممية ذات الصدقية، فإنّ جماعة الحوثي مسؤولة مسؤوليةً مباشرةً عن الأزمة المركبة (السياسية والاقتصادية والإنسانية) في اليمن منذ انقلابهم على الشرعية في عام 2014، بالإضافة إلى الأبعاد العديدة والمتنوعة للانهيار الاقتصادي.
ويؤكد تقرير البنك الدولي أن الآفاق الاقتصادية لليمن لعام 2025 لا تزال قاتمة. وقد دفع الصراع معظم اليمنيين إلى براثن الفقر (يعيش 58% من السكان في فقر مدقع).
ووصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة. كما يواجه اليمن حالة طوارئ ممتدة من الدرجة الثالثة، وهي أعلى مستوى للطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية، تتعلق بتفشي الأمراض والأوبئة. وطبقًا للتقديرات، ستظل الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين مزرية في عام 2025.
ليس هذا فحسب، بل تابع الحوثيون سلوكياتٍ خارجية وانخرطوا في محاور إقليمية أفضت إلى تهديد أمن المنطقة بصورةٍ مباشرة. وتحل اليوم الذكرى الثانية لأحداث 17 و24 يناير/كانون الثاني 2022، عندما شن الحوثيون هجمات على منشآت ومناطق مدنية في دولة الإمارات، فشلت في تحقيق أي من مراميها؛ بسبب المستوى العالي للاستعداد والجاهزية الذي أبدته قوات إنفاذ القانون والقوات المسلحة الإماراتية في التعامل مع الهجمات، وتعاطي القيادة الرشيدة بحكمة معها.
كما يستمر الحوثي في توجيه تهديداته “الإرهابية” للسعودية.
ومنذ أن شرع الحوثيون في استهداف السفن التجارية والحربية المتجهة إلى إسرائيل أو المرتبطة بها عبر خليج عدن والبحر الأحمر، وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية، أدى ذلك إلى تصاعد التهديدات لأمن الملاحة البحرية جنوب وغرب الجزيرة العربية إلى مستوى غير مسبوق، وتحول الممرات البحرية إلى منطقة عمليات عسكرية نشطة؛ مع تواصل الهجمات الحوثية، واستهداف الولايات المتحدة مواقع القيادة والسيطرة لجماعة الحوثي، وإطلاق العملية العسكرية الأوروبية “أسبيدس”، والتصعيد العسكري الإسرائيلي-الحوثي.
وقد أثرت هجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر على مصالح أكثر من 65 دولة حول العالم، وفي مقدمتها مصر ودول مجلس التعاون الخليجي.
وقد فشلت السياسات التي تابعها ويتابعها الحوثيون في اليمن والمنطقة. فلم تفلح سياسات الحوثي العدوانية في تحقيق أي من مراميها من كسب تعاطف الرأي العام في اليمن والدول العربية والإسلامية، أو تقويض استقرار دول مجلس التعاون، أو إضعاف خصومها.
بل إنّ ما حدث هو العكس؛ حيث تضعضعت قدرات الحوثيين بفعل الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية والبريطانية في إطار “تحالف حماية الازدهار” والغارات الإسرائيلية ردًا على هجمات حوثية على مدن ومواقع إسرائيلية بالصواريخ والمسيّرات.
كما أنّ توجه الحوثيين للرأي العام الداخلي لكسب دعمه وتعاطفه في معركة “وهمية” مع أعداء خارجيين لم يخلف فشلاً ذريعًا في تحقيق غايات الحوثيين وحسب؛ بل ارتد السحر على ساحره؛ حيث ترصد التقارير الإخبارية المستندة إلى شهادات موثقة من الداخل مواجهة الحوثيين صعوبات جمة في حشد مقاتلين جدد، وتزايد أزمة شرعيتهم.
ويبدو أنّ الحوثي عدو نفسه؛ فبعد أن كان هناك اتجاه دولي وربما عربي لدمج الجماعة في النظام السياسي اليمني عن طريق عملية تسوية سياسية، يتشكل الآن تحالف دولي واسع النطاق لمواجهة تهديدهم الإرهابي في الداخل والخارج.
وإذا استمر الضغط الدولي على مراكز الحكم والقيادة الحوثية، فمن المحتمل أن ينهار نظام حكم الحوثيين المتداعي من الداخل في المستقبل القريب.
وذلك أنّ طول فترة الصراع الأهلي في اليمن ألقى بظلاله على حكم الحوثيين؛ حيث تختبر الجماعة صراعًا على السلطة، وينخر الفساد فيها من قاعدة هرمها السياسي إلى قمته.
وتُعد الجماعة ذاتها تنظيمًا فاسدًا يمثل شريحة ضيقة من السكان. وأدت مستويات الفساد والاستغلال المرتفعة إلى جعل نظام الحوثيين يواجه أزمة شرعية متزايدة؛ ما اضطره إلى الاعتماد على الأجهزة الأمنية القمعية للحفاظ على السلطة.
ويجب على المجلس الرئاسي اليمني برئاسة رشاد العليمي اغتنام فرصة تدهور قدرات الحوثيين السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتوحيد صفوفه مع المجلس الانتقالي الجنوبي لتحقيق تقدم نسبي في مواجهة الحوثيين.
والخلاصة أنه يجب زيادة الضغوط “القصوى” من جانب المجتمع الدولي ودول الجامعة العربية على جماعة الحوثيين؛ نظرًا لأنّ الأعمال الإرهابية التي تنفذها هذه الجماعة لها مضامين وانعكاساتٌ خطِرة على الأمن والسلم الدوليين، وحركة الملاحة في الممرات المائية الحيوية بالمنطقة، والأمن الإقليمي برمته.