13 يناير واستلهام العبر..
لحج الغد – اللواء/ سعيد الحريري
- دروس الماضي ومفاتيح المستقبل
13 يناير ليست مجرد ذكرى حزينة، بل هي درس قاسٍ يجب أن نستوعبه حتى لا تتكرر مآسي الصراعات الداخلية. لقد كشفت تلك الأحداث عن مخاطر الانقسام والصراع على السلطة، ووضعت أمام الجميع حقائق صارخة حول ضرورة بناء نظام سياسي قائم على الحوار والتسامح والتعايش، بدلاً من الإقصاء والتصفية.
- الاعتراف والمسؤولية.. موقف علي ناصر محمد
في خضم تلك الأحداث المأساوية، كان للرئيس علي ناصر محمد موقف تاريخي يُحسب له، حيث امتلك الشجاعة السياسية والأخلاقية للاعتراف بأن ما حدث كان مسؤولية جماعية، ولم يُلقِ باللائمة على طرف دون آخر. كان هذا الاعتراف خطوة جريئة وغير مألوفة في السياسة اليمنية، ورسالة واضحة بأن الاعتراف بالأخطاء هو البداية الحقيقية للتصالح وبناء المستقبل.
ولم يكتفِ بذلك، بل كان من أوائل دعاة التصالح والتسامح الجنوبي، إدراكًا منه أن الجنوب لا يمكن أن ينهض إلا إذا تجاوز أبناؤه خلافاتهم، ودفنوا أحقاد الماضي، واتجهوا نحو بناء مستقبل جديد يسوده السلام والعدل.
- مبادرات التصالح والتسامح
العبر المستفادة من الماضي:
1 – وحدة الصف الداخلي
الصراعات الداخلية لا تؤدي إلا إلى الانهيار والدمار. يجب أن يكون التركيز على تعزيز اللحمة الوطنية، واحتواء الخلافات عبر الحوار البناء، لا عبر فوهات البنادق.
2 – الحكم الرشيد وسيادة القانون
غياب المؤسسات القوية والشفافة يفتح المجال أمام الطمع في السلطة. يجب أن نعمل على بناء دولة مؤسسات تُكرّس العدالة والمساواة، وتمنع تكرار سيناريوهات الفوضى.
3 – التسامح والمصالحة الوطنية
لا يمكن بناء مستقبل مستقر دون الاعتراف بأخطاء الماضي والعمل على تجاوزها بروح المسؤولية والتسامح. اليمن اليوم بحاجة ماسة إلى مصالحة وطنية تُعيد الثقة بين أبنائه.
4 – رفض العنف كوسيلة لحسم الخلافات
لقد أثبتت التجربة أن العنف لا يحل الأزمات، بل يُعمّق الجراح ويفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية.
- رسالة إلى الأجيال الجديدة
إن 13 يناير يجب أن يكون محفزًا للأجيال القادمة لرفض الفرقة والانقسام، والالتفاف حول مشروع وطني جامع يُعلي مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، فالتاريخ لا يرحم من لا يتعلم دروسه.
- انتكاسة التصالح والتسامح.. العودة إلى المربع الأول
ورغم كل الجهود التي بُذلت لترسيخ ثقافة التصالح والتسامح، نشهد اليوم للأسف محاولات عبثية لإعادة الجنوب إلى مربع الصراع الأول، حيث يُستغل هذا المبدأ النبيل كغطاء لتحقيق مصالح فئوية ضيقة أو تعزيز نفوذ جهات بعينها.
ما يحدث اليوم يُنذر بخطر حقيقي على مستقبل الجنوب، حيث يُعاد إنتاج الخلافات القديمة بوجوه وأساليب جديدة، مما يُهدد بإجهاض روح التصالح التي دفع الجنوبيون ثمنها غاليًا.
إن من يتلاعبون بهذا المبدأ المقدس، ويحاولون تفخيخ مستقبل الجنوب بخلافات جديدة، إنما يُعيدون إنتاج المآسي الماضية في ثوب جديد، مما يستدعي وقفة جادة من كل القوى الوطنية لإيقاف هذا العبث قبل فوات الأوان.
ختامًا.. لقد دفعت اليمن، وخاصة الجنوب، ثمنًا باهظًا للصراعات الداخلية. واليوم، ونحن نُواجه تحديات كبرى، من الضروري أن نستوعب دروس الماضي، ونبني حاضرًا قائمًا على الوحدة والعدالة والمساواة، لعلنا نُداوي جراح الأمس، ونمنع نزيف الغد.
إن موقف الرئيس علي ناصر محمد في الاعتراف بالمسؤولية والدعوة إلى التصالح والتسامح يُعد نموذجًا يجب أن يُحتذى به، ورسالة لكل القادة والسياسيين بأن المصارحة والمصالحة هما السبيل الوحيد لبناء مستقبل مستقر وآمن.
13 يناير.. ذكرى أليمة، لكنها أيضًا فرصة لاستلهام العبر وبناء مستقبل أكثر إشراقًا، بشرط ألا نسمح لمن يعبثون اليوم بقيم التصالح والتسامح أن يُعيدونا إلى المربع الأول…