مقالات

العرب وسوريا الجديدة

كتب/ محمد خلفان الصوافي

 

يتزايد اهتمام العالم بحاضر ومستقبل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وانتقال السلطة إلى “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني).

وظهر ذلك الاهتمام بوضوح في توالي زيارات وفود ومسؤولين من مختلف الدول، خصوصاً الغربية آخرها يوم الجمعة الماضي زيارة وزيري الخارجية لكل من فرنسا جان نويل بارو، وألمانيا أنالينا بيربوك، للتواصل مع السلطة الجديدة عن قرب واستكشاف توجهاتها ورؤاها لسوريا ما بعد بشار.

ما يجدر الانتباه إليه أن التفاعل العربي مع تغير الأوضاع في سوريا، يبدو أقل من المتوقع، سواء على المستوى الفردي أي لكل دولة أو على المستوى الجماعي المتمثل في جامعة الدول العربية.

ربما يرجع ذلك إلى رغبة بعض الدول وكذلك الجامعة في التزام التروي وعدم التعجل في تبني موقف محدد إلا بعد تبلور واتضاح توجهات السلطة الجديدة في دمشق.

ووسط هذا التريث العربي العام، حرصت دول بعينها مثل دولة الإمارات وكذلك السعودية على التفاعل مع مجريات الأمور في سوريا، وتأكيد ثوابتها بشأن المستقبل هناك من خلال أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا، ومن خلال دعم جميع الجهود والمساعي المبذولة للوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة وجامعة تحقق طموحات الشعب السوري.

وبينما لم تقم جامعة الدول العربية بتحرك عملي نحو سوريا، بادر مجلس التعاون الخليجي بإرسال وفد رسمي إلى دمشق أجرى مباحثات معمقة مع القادة والمسؤولين هناك. وكانت الزيارة شديدة الأهمية في مضمونها ودلالاتها. حيث جسدت بشكل عملي حرص دول الخليج على مستقبل سوريا واستعادتها الاستقرار والأمن، حيث أبدى وفد مجلس التعاون جاهزية دول المجلس للاضطلاع بأدوار إيجابية لتحقيق أهداف وطموحات السوريين لبلدهم.

وفي حين غلب على زيارات مسؤولي الدول الغربية طابع الاستكشاف والتنقيب عن مواقف واتجاهات المجموعة الحاكمة حالياً في سوريا، وذلك بدوافع سياسية وأمنية، كانت زيارة الوفد الخليجي لدمشق بغرض عرض المساعدة ومد يد الأخوة للأشقاء السوريين.

والدلالة المهمة في خطوة مجلس التعاون بإيفاد الوفد إلى دمشق، أنها تعكس جماعية الموقف الخليجي. وتؤكد أن استقرار سوريا يصب في استقرار منطقة الخليج وصالح دوله جميعاً.

وعلى خلاف الدول الغربية التي لديها هواجس وتساؤلات تجاه سوريا حاضراً ومستقبلاً؛ تبدو الصورة أمام دول الخليج أكثر وضوحاً. فبعد أن كانت سوريا الأسد مرتمية بالكامل في أحضان إيران، واضطلعت لعقود بدور الحليف الإقليمي الأوثق لطهران، تراجع دور ونفوذ إيران في سوريا إلى حد بعيد. ما يعني أن على دول الخليج ملء ذلك الفراغ على نحو مناسب وبشكل عاجل. وأعتقد أن دول الخليج العربية وفي مقدمتها دولة الإمارات، تعي هذا جيداً وتعمل بالفعل في ذلك الاتجاه.

وما يجب تأكيده، أن هذا الوعي والتحرك مطلوب عربياً وليس فقط خليجياً. فالدور الإيراني في سوريا كان أحد مصادر التهديد وعدم الاستقرار الإقليمي، حيث كان بالنسبة للسوريين طائفياً بامتياز. كما كان جزءاً من منظومة النفوذ الإقليمي والمصالح الجيواستراتيجية لإيران. ونتذكر هنا ما وصفه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل عدة أعوام، بـ”الهلال الشيعي” الذي يمتد من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا

وعلى الدول العربية عموماً ودول الخليج خصوصاً، المسارعة إلى استغلال انكسار ذلك الهلال. وملء المساحة التي كانت تحتلها طهران في سوريا. وإن كانت دول الخليج قد بدأت التحرك بالفعل تجاه دمشق، فإن بقية الدول العربية مطالبة بتبني خطوات مماثلة نحو استعادة سوريا عربياً. فالثابت بالتجربة، أن إقصاء سوريا من الإطار العربي، لم يصب لا في مصلحة سوريا ولا في صالح المنطقة العربية ككل. فلم يكن لتجميد مقعد سوريا في الجامعة العربية (2012 – 2023) أي تأثير فعال على توجهات دمشق، بل ربما كان المردود عكسياً؛ بمزيد من الاعتماد على إيران ثم استدعاء روسيا لحماية النظام والإبقاء عليه.

 

لا يزال المجال مفتوحاً والفرصة سانحة أمام الدول العربية لمساعدة سوريا وخدمة أمن واستقرار المنطقة ككل. ونقطة البدء في هذا المسار هي التحرك عربياً وبشكل جماعي لفتح قنوات تواصل ومسارات تربط سوريا بمحيطها العربي الطبيعي. ثم على الجامعة العربية تحديداً بلورة آلية مشتركة مع حكام سوريا الجدد، بضمان حضور ومشاركة عربية مباشرة وفاعلة في رسم خارطة طريق تضمن استمرار الدولة السورية موحدة. فوحدة وسلامة أراضي سوريا، تصب في مصلحة العالم العربي ككل وليس سوريا فقط.