الأورام الدقيقة.. جديد علاج السرطان بالأشعة وفق طبيب جراح
الأورام الدقيقة لا تختبئ فقط في الدماغ، إنما في أمكنة كثيرة أخرى من جسم المريض بالسرطان.
ولا تنفك الأبحاث العلمية في تقديم أحدث ما يتم التوصل إليه للقضاء على الأورام الخبيثة، وتحسين جودة حياة مرضى السرطان.
للاطلاع على جديد علاجات الأورام السرطانية الاختصاصي في جراحة الأورام الدكتور جورج فرحة، مستشفى جبل لبنان، وكان معه الحوار الآتي
ما هي الطرق الحديثة المستخدمة اليوم لاستهداف الأورام الدقيقة التي يصعب الوصول إليها في الجراحة الكلاسيكية؟
للوصول إلى هذه الأورام بتنا كأطباء نلجأ إلى الجراحة بالأشعة والتي تسمى Stereotactic Radiosurgery (SRS)؛ يطلق عليها اسم جراحة، لكن في الحقيقة هي ليست عملية جراحية بالمعنى التقليدي، لأنه لا يتم إحداث أي شق فيها، بل تكون عبارة عن جلسة أشعة عادية، إنما بكمية أشعة أعلى، وأطول من حيث الوقت.
ما التطورات التي لحقت بجراحة الأورام؟
التطور كبير جداً لا سيما في السنوات العشر الأخيرة. وفي العادة هناك ثلاث وسائل اليوم للقضاء على الأورام السرطانية، وهي: الجراحة، الأشعة والعلاج الكيميائي.
على صعيد الجراحة، فقد تطورت كثيراً، لأننا انتقلنا من الشق، ثم إلى المنظار، وصولاً إلى الروبوت، والأخير يُستعمل اليوم في لبنان، ويحقق الأطباء من خلاله نتائج مهمة جداً.
كما أننا انتقلنا من شق بحجم 20 سنتمتراً، ثم إلى 5 سنتمرات، إلى أن وصلنا اليوم إلى إجراء عدة شقوق صغيرة جداً يدخل من خلالها الروبوت لتدمير الأورام.
جراحة الأورام السرطانية تطورت كثيراً، حيث بات الأطباء يفهمون طبيعة المرض أكثر من ذي قبل، وباتوا يدركون تماماً كيفية إجراء عملية الاستئصال.
ويمكن اختصار التطور بأنه التوجه إلى أقل التقنيات لناحية التأثير السلبي على المريض. ما يعني أن الأطباء باتوا يعملون على تحقيق شفاء المريض بأقل ضرر ممكن. ففي الجراحة الأمور تتجه في هذا الإتجاه.
وفي الأشعة، كما سبق وذكرت، كنا نعطي المريض كمية أشعة عالية ولفترات طويلة، وبدون أن تكون مهدّفة، مما يعني أنها تُصيب الخلايا السليمة والخلايا السرطانية. فتكون الأعراض الجانبية كثيرة عليه المريض.
أما اليوم، ومن خلال التقنيات المتوفرة حالياً، سواء في الـIMRT وهو نوع متقدم من العلاج الإشعاعي منظَّم الشدة، والذي قد يستغرق بعض الوقت؛ أو الجراحة بالأشعة، حيث يمكننا إصابة الهدف بدقة من دون مشاكل تُذكر؛ فقد بات العلاج هيناً على المرضى مقارنة بـ5-10 سنوات إلى الوراء، وفق ما نلمسه يومياً مع مرضانا.
كما أن هناك ثورة طبية حصلت في العلاج الكيميائي مع ظهور العلاجات المهدّفة التي يمكنها إصابة جين معين أو مستقبِل معين في الخلية الخبيثة.
بعد ذلك ظهر العلاج المناعي الذي يعمل على تحفيز جهاز المناعة لدى مريض السرطان، ليقضي على الخلايا السرطانية بنفسه، بعيداً عن العلاج الكيميائي الذي يستخدم أدوية معينة للقضاء عليها. مما يعني أن مشاكل هذا العلاج المهدّف وأعراضه الجانبية أقل بكثير.
هذه العلاجات الثلاث الحديثة سمحت للأطباء في الوصول إلى نسب نجاح عالية جداً في الشفاء، مع مشاكل ومضاعفات أقل على مريض السرطان.
هل بات بالإمكان اللجوء إلى الجراحة بالأشعة لجميع أنواع الأورام في الجسم؟
الأورام الدماغية باتت تُعالج بالأشعة
بدأت الجراحة بالأشعة لعلاج الأورام الدماغية. حيث كنا نستعملها قبل سنوات، كبديل للجراحة الكلاسيكية، لكن اليوم، ومع التقنيات المتطورة في هذا المجال، ومع وفرة الدراسات، أثبتت الجراحة بالأشعة أنها تقدم نفس النتائج التي تقدمها الجراحة الكلاسيكية. وبما أنها نجحت في استهداف الأورام الدماغية، فلمَ لا يتم تطبيقها على كامل الجسم. من هنا ظهر ما يسمى
Stereotactic Body Radiotherapy (SBRT)، وهي الجراحة بالأشعة لزوايا مختلفة حول الجسم. حيث يتلقى الورم في أي مكان من الجسم، جرعة عالية من الإشعاع وتتلقى الأنسجة المحيطة به جرعة أقل بكثير. وهذا يقلل من خطر الآثار الجانبية.
والخيار بين الاثنين يعود إلى الفريق الطبي المعالج مجتمعاً (الجراح، طبيب الأورام، طبيب الأشعة، والطبيب الاختصاصي في جراحة الأنسجة)، حيث تتم مناقشة الحالة وإتخاذ القرار العلاجي الملائم لها.
لأن كل مريض سرطان هو حالة خاصة يتم درسها لتحديد الخطة العلاجية لها، وفقاً لعمر المريض وحالته الصحية ومكان الورم والمرحلة التي هو فيها.
هل يمكن إجراء مقارنة سريعة بين الجراحة بالأشعة وبين الجراحة الكلاسيكية للأورام؟
للطريقتين بعض الحسنات وبعض السيئات:
الجراحة الكلاسيكية التي تعتمد على إحداث شق لاستئصال الورم، هي العلاج التقليدي التي يُعمل به من مئات السنوات. هي عمل ناجح جداً، لكنه يحتاج إلى إحداث شق وإلى تخدير المريض، مما قد يعرّضه لبعض الالتهابات والنزيف، وهو ما ليس موجوداً في الجراحة بالأشعة التي تعتبر علاجاً غير توغلي أي لا يوجد شق، وبالتالي يصبح خطر الالتهابات والنزيف شبه معدوم. كما لا يتطلب تخدير المريض في 99 بالمئة من الحالات.
الجراحة بالأشعة عمرها أصغر بكثير، نحو 20 عاماً لكنها خولت الأطباء من دراسة هذه الجراحة جيداً ومعرفة كيفية التعامل معها، ومدى فائدتها لمرضى السرطان. وقد أثبتت فاعليتها، مقارنة بالجراحة الكلاسيكية، في علاج سرطان البنكرياس، سرطان الدماغ، وسرطان الرئة وسرطان العظام. وحالياً يتم استخدامها في علاج سرطان البروستات.
ولكن الأشعة لها مشاكلها، فنحن كأطباء نحاول أن نقدم كمية كبيرة من الأشعة على الورم مباشرة، وتجنّب الأنسجة السليمة، لكن قد يحدث أن تُصاب هذه الأنسجة. على سبيل المثال عندما نوجه الأشعة على ورم في البروستات، فسيكون همنا كأطباء في الحفاظ على أنسجة المخرج والمثانة القريبتين. قد تنشأ بعض الآثار الجانبية مثل الشعور بالحرق عند التبول على المدى القصير والطويل وغير ذلك. لكن أثبتت جميع الدراسات العلمية أن هذه الآثار الجانبية ليست مهمة مقارنة بنسب الشفاء التي يحققها العلاج بالأشعة.
ما طرق الوقاية من الأمراض السرطانية؟
يجب رسم خطة وطنية تحتاج إلى تضافر جهود أطراف عديدة مثل الجهاز الطبي، المستشفيات، المجتمع المدني.. للوصول إلى توعية حول طرق الوقاية من الأمراض السرطانية، تصل إلى كافة شرائح المجتمع.
كل امرأة عليها القيام بصورة الأشعة للثدي مرة كل عام، بعد سن الأربعين (إذا لم تكن لديها حالات مع سرطان الثدي في العائلة أصغر من هذه السن، حينها يجب أن تبدأ بالصورة الشعاعية في سن أصغر).
كل امرأة متزوجة عليها أن تخضع لفحص مسحة عنق الرحم من أجل الوقاية والكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم الذي ينقذ حياتها.
كل رجل وامرأة تخطوا سن الـ45 عاماً، عليهم الخضوع لتنظير القولون كل 5 سنوات، من أجل الكشف المبكر عن سرطان القولون والمستقيم.
كل رجل تخطى سن الخمسين عليه القيام بفحص الـPSA، للكشف عن سرطان البروستات.
حتى أنه يتم الحديث اليوم عن إجراء صورة سكانر للرئة لجميع الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض السرطانية (بعد تخطي سن معينة، للمدخنين، للذين لديهم تاريخ عائلي مع السرطان..).
التوعية ضرورية خصوصاً حول النرجيلة، والفيب.. التي أثبت العلم أن أضرارها عالية على صحة الجسم.
كذلك ضرورة التوعية حول موضة مقصورات التسمير التي تسبب سرطان الجلد.