مقالات

​باستعادة القيم وفرض النظام والقانون سنحمي مشروعنا الوطني

​باستعادة القيم وفرض النظام والقانون سنحمي مشروعنا الوطني

الكاتب: صالح شائف حسين

سبق لنا التطرق تفصيلًا وفي أكثر من مقال خلال الفترة التي تلت انتصار شعبنا على جيش الغزاة عام 2015م وكرسناها لقضية القيم والمثل الإنسانية والوطنية وكيف لنا أن نستعيدها بعد أن دمرها نظام الاحتلال وعصابات يوليو الأسود؛ وسأكرر هنا بعض ما كان قد ورد فيها من أراء وأفكار؛ وتحديدًا تلك التي نشرت خلال عام 2016م؛ فمازالت قيمتها وتوصيفاتها صائبة من وجهة نظرنا على الأقل؛ بل ونجزم بأن الحياة قد أثبتت صحتها خلال السنوات التسع الماضية؛ ولنا في واقع الحال المحزن والقائم اليوم خير شاهد.

لقد كانت وستبقى منظومة القيم الإنسانية العليا؛ ومعها وإلى جانبها المثل الوطنية الرفيعة؛ ومبادئ وقواعد السلوك الأخلاقي المنضبط؛ التي تحكم وتسود العلاقات الاجتماعية بين الناس وعلى صعيد حياتهم السياسية؛ أهم وأكبر أعمدة الحياة التي تؤمن استقرار ونمو وتطور المجتمعات وتقدمها؛ وتحافظ على تماسك نسيجها الاجتماعي؛ وعندما تسقط منظومة القيم ولأسباب وعوامل تاريخية مختلفة؛ تفتح الأبواب واسعة لكل أشكال العبث والفوضى (المنظمة)؛ وتستبدل قواعد السلوك الحميد بأخرى هدامة وفي صدارتها الفساد الذي صار نظامًا قائمًا بذاته.

فمع ضعف أو سقوط منظومة القيم الجامعة تبرز على السطح كل أشكال وأنواع العصبيات؛ ومعها تغيب الحقيقة وتتنازعها الأهواء؛ ويغيب المنطق ويصبح للجهل المركب حضورًا طاغيًا ومدمرًا وبكل أبعاده وخلفياته وتجلياته.

كما يصبح الوضع مثاليًا كذلك لبروز بعض المشاريع (السياسية) وبعناوين (وطنية) مشوشة وربما (خادعه) مع الأسف؛ ومعها تنتعش النزعات (المحلية) والتعبير عنها يصبح أكثر وضوحًا وجرأة؛ كنتيجة طبيعية لتراجع (الروادع) الوطنية الجامعة ولأسباب كثيرة؛ ومن بينها وأخطرها تلك المدعومة من خلف الحدود.

ولعل أبرز نقاط الضعف هو عدم صلابة روح الانتماء الحقيقي للجنوب – وطن وتاريخ وهوية – حين لم يستطع أصحابه العبور أو يتجاوزون وبقناعة كاملة ووعي حقيقي لكل تلك (العصبيات)؛ ولم يتخطى الأمر عند (البعض) الحدود الشكلية والسطحية؛ وربما للتمويه وبقى (كشعار) ليس إلا؛ ولم يجد الانتماء الوطني العميق طريقة إلى أعماق العقل والروح؛ وبقي المخزون النفسي (المشحون) أساسًا بخلفيات قبلية واجتماعية وثقافية متشظية ولأسباب تاريخية معروفة للجمع؛ وظل هذا (المخزون) هو الكامن في الصدور والمتحفز للظهور والتعبير عن نفسه في اللحظات السياسية والتاريخية المناسبة.

وللخروج من هذا الوضع المؤسف الذي نعيشه وبفعل فاعل لم يعد مجهولًا؛ والمتخم (بالكيانات) و(دكاكين) السياسة؛ و(الشعارات) والمشاريع المتنافرة والمتخاصمة؛ وهو مع الأسف الأمر الذي لا يتناسب وعظمة وثبات الإرادة الوطنية الحرة عند أبناء الجنوب وبشكل يبعث على الفخر والاعتزاز؛ فإنه لا سبيل أمامنا والحال كذلك غير أن ينهض الجميع بمسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية دفاعًا عن منظومة القيم وبكل عناوينها ومسمياتها والإعلاء من شأنها في حياتنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والسياسية على حد سواء.

إن الأوضاع تقتضي بالضرورة رد الاعتبار للقانون وسيادته ولأجهزة العدل المعنية وتمكينها من دورها؛ ولصفات الشرف والكرامة والصدق والوفاء والأمانة؛ لتنال حقها ومدلولها وتجسيدها على صعيد الممارسة العملية؛ وجعل الروح الوطنية الجامعة والتكاتف والتضامن فيما بيننا حقيقة واقعة لا شعارًا للاستهلاك السياسي الفاقد للمضمون؛ وتحويل الاختلافات والتباينات (الطبيعية) وغير المفتعلة إلى مصدر للقوة الفاعلة؛ ومدخلًا للتماسك الوطني الشامل قدر الإمكان؛ فهو الذي يمنحنا القدرة على تجاوز التحديات القائمة؛ وتلك التي تنتظرنا في مسيرة الكفاح الوطني الذي لن ننال ثماره الوطنية بسهولة ويسر؛ كما قد يتصور ذلك البعض.

إن الجميع مدعو للعمل وبروح الصبر الإيجابي اليقظ والمثابرة والثبات؛ وبما يقرب المسافات بين القول والفعل؛ عبر إنزال الشعارات من سماء السياسة إلى أرض الواقع المتحرك والمعاش وبكل ألوانه وعناوينه وتعقيداته المتشابكة؛ لينتصر فيه شعبنا لقضيته ووطنه؛ عبر فعل وطني متناغم حقًا وفعلًا؛ وبما يقرب يوم الخلاص ويحصن طريق المستقبل ويؤمن مسيرة الوصول إليه ويجعله خاليًا من الصراعات والفتن ..