الإلحاد لا يستحق نقاشا
لحج الغد – بقلم: عبدالرب السلامي
الإيمان بوجود خالقٍ لهذا الكون، مسألة بديهية مركوزة في أعماق النفس البشرية ومدركة بالعقل ومشهودة في صفحات الكون، ولا يعارضها العلم المبني على الحس والتجربة، ولا يحتاج إثباتها إلى مزيد جدال ومراء.
لجلاء هذه الحقيقة وشدة وضوحها، أنك تجد الشخص الذي يزعم إنكارها لا يستطيع إثبات عكسها، أي لا يستطيع إثبات أزلية المادة أو منطقية الصدفة بمنهج علمي يصمد أمام النقد، فغاية تفلسف الملحد هو تقرير اللأدرية كموقف فلسفي عبثي!، واللأدرية هي عين الجهل، وهي المرادف الحرفي لمصطلح اللاعلمية. وهي بشهادة أصحابها موقف متشكك لا يصح أن يسمى منهجا علميا. فأنى لمن لا يدري ولا يعلم أن يتحدث إلى الناس، فضلا أن يتصدر لدعوتهم وتوجيههم!.
ومن مظاهر جلاء هذه الحقيقة تجذرها في أعماق النفس البشرية إلى الحد الذي تصبح جزءا من كينونة الإنسان. ولذا تجد الشخص الذي يزعم الإلحاد لا يستطيع إزالتها من مشاعره، ولا يستطيع طردها من تفكيره رغم إرادته ذلك، فهي كالطيف تراوده كل حين، في حركاته وسكناته وحتى في أحلام يقظته ومنامه، ولكن الملحد يكابر عن الاعتراف بذلك، لأسباب ذاتية سيأتي الحديث عنها. إنه شعور الفطرة، وهذا هو السر الذي يجعل الملحد ما يفتأ يثرثر ويكرر الحديث عن الإلحاد باستمرار، بمناسبة وغير مناسبة، وكما قيل: الإلحاح في النفي دليل على الوجود!.
إذن الإلحاد ليس علما حتى يبحث بأدوات العلم الحسية والعقلية، وليس فكرا حتى يبنى منه نموذج معرفي، وإنما هو ظاهرة نفسية أشبه بحالة تمرد وهروب من الواقع، ومحاولة خروج عن المألوف الاجتماعي والثقافي، ومكان صاحبها الطبيعي هو المصحة النفسية أو دار التأهيل الاجتماعي أو درة القضاء العادل!
أنصح العلماء والمثقفين: لا تضيعوا أوقاتكم في مناقشة زاعمي الإلحاد، فهم أناس قد قرروا ابتداء أنهم لاأدريون، أي عبثيون فكريا. ولكن بإمكانكم أن تتجهوا بقدراتكم البحثية لدراسة أسباب الظاهرة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فهذا هو الأنفع لبلدانكم وأمتكم.
لم يبعث الله الأنبياء لمجادلة الملاحدة والدهريين وجاحدي الحقائق، لأن حقيقة وجوده سبحانه معلومة في أصل الخلقة بالضرورة، فلا يحتاج إثباتها إلى دليل إضافي أكبر من دلائل الفطرة والعقل والحس، وإنما يحتاج التذكير بها لتقرير وجوب توحيد الله في عبادته وطاعته وحاكميته، فهي مما يستدل به ولا يستدل له.
النصوص التي وردت في رسالات الأنبياء عن وجود الله وربوبيته إنما جاءت في سياق تقرير وحدانيته سبحانه، فيكفي الانسان السوي أن تستثار فيه مشاعر الفطرة ويقظة العقل ونوافذ السمع والبصر، فما فيها من مخزون فطري يكفي للإيمان بوجود الله وربوبيته ومنها تزال شبهة الشرك في ألوهيته (أفي الله شك، فاطر السموات والأرض) (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) (أم خلقوا السموات والأرض، بل لا يوقنون) (أم عندهم الغيب فهم يكتبون).