مقالات

مسقط وتسويات اللحظة الأخيرة؛ التحديات والفرص

لحج الغد – للدكتور قاسم المحبشي..

 

لابد من التحذير ؛ أنا أعرف اصحابي يا تحالف عربي .. رمينا حجر إلى قدام الغنم! كما يقول المثل الشعبي

يعرف اليمنيون شمالا وجنوبا أكثر من أي وقت مضى قوة تأثير الشقيقة الكبرى التي لا فكاك لهم من سطوتها العابرة. أمام هذه التحدي الوجودي وفي أثناءه وعلى نحو غير إرادي أنقسم اليمن إلى ثلاث قوى أساسية هي: قوة شرعية مترهلة ومستنفذة كل طاقاتها السياسية في مشاريع مجربة فاشلة ومنتهية؛ هي كيان لفيف يتكون من طياف واسع من نفايات اليساسة والساسة اليمنية فيما عرف باللقاء المشترك والموقعة على وثيقة المبادرة الخليجية؛ تضم الحزب الاشتراكي اليمن عدو السعودية رقم واحد قبل (الوحدة اليمنية) الذي فشل في تأسيس نظام دولة وطنية عادلة ومستقرة ولم يتمكن من ادارتها بكفاءة واقتدار في الجنوب ولم يخفي عداءه الإيديولوجي للمملكة في زمن الحرب الباردة والاستقطاب العالمي بين الشرق والغرب وقد بذلت المملكة مع حليفها التقليدي في صنعاء الغالي والرخيص في سبيل اسقاطه وهزيمته في عقر داره منذ إعلان توجهه المضاد لهما. وفي عام مايو ١٩٩٠ سُلم الرئيس الانفعالي علي سالم البيض دولة الجنوب بسياتها الكاملة لعفاش السياسي الماكر على طبق من ذهب! سلمها لقوى الحكم التقليدية في الشمال وباسم الوحدة الاندماجية الكارثية. والحزب القومي الناصري الذي فشل في تأسيس نموذجه السياسي القومي في صنعاء وحمايته وطويت صفحته مع اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي. وحزب التجمع اليمني للاصلاح الذي فشل في تأسيس مشروعه السياسي الإخواني المتلحف بالايديولوجيا الإسلامية والمستند على المؤسسة القبلية التقليدية ورموزها. فضلا عن كونه الحليف الرئيسي في حرب التكفير والاحتلال التي شنتها قوى الشمال التقليدي على شريك الوحدة الجنوبي في صيف ١٩٩٤. وهو ذات الحزب الذي رمى بكل ثقله على ما يسمى ب ( ثورة الفرصة الأخيرة) بحسب منظر الثورة ياسين سعيد نعمان! وهو بذلك افشلها في مهدها وعجز عن حمايتها بعد أن أعاد تشكيلها على صورته وهواه ،ولفيف من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي فشل في تأسيس دولة وحدة حقيقية لليمنيين وصيانة الجمهورية اليمنية ؛الفرصة الوحيدة التي اغتنمها في تدمير كل المؤسسات والقيم المدنية والاحلام والأمال باليمن المتخيل الجديد. فضلا عن عجزه عن حماية نظامه الفاسد على مدى ثلاثة وثلاثين عام في الشمال قبل الوحدة وفي الجمهورية اليمنية الجديدة . وبعض الكيانات والمنظمات والنخب والشخصيات السياسية المفرخة واللقيطة من هنا وهناك. يرأسهم كلهم الرئيس التوافقي الطيب عبدربه منصور هادي. الذي أرادوا له أن يكون رئيسا مسلوب القوة والقدرة على حكم صنعاء وأدواتها. إذ لم يتمكن من حماية نفسه ودار رئاسته من بضعة مليشيات حوثية كان يستهين بقوتها العميقة في أرضها فباغته ليجد ذاته بلا سند ولا حماية إذ تخلى عنه كل الذين طبخوا له صدورهم وأقنعوه بتحمل مسؤولية رئاستهم ومنهم صاحب الفرقة الأولى مدرع الجنرال علي محسن الأحمر الذي هرب قبله في سيارة السفير السعودي آل جابر بعد أن البسه ثياب نسائية. كل هؤلاء ذهبوا إلى المملكة السعودية واستقبلتهم بالأحضان وبدلا من أن تجمعهم في مخيم عسكري لبحث نكبتهم السياسية والتفكير بكيفية تحرير اليمن من المليشيات الحوثية الطائفية المدعومة من إيران الفارسية ومنحهم الدعم اللوجيستي والمالي لتحقيق هذه المهمة بدلا من ذل منحتهم المملكة العربية السعودية الحليف العربي الشرعي الإقامة في افخم الفنادق والمنتجعات وأعطتهم كل ما يحتاجونه من مال وخدمات وسبل راحة ناعمة فانساهم هذا العيش الرغيد في الرياض اليمن وشعبها وازمتها وكل ما فيها. وعلى مدى تسعة سنوات من العاصفة تضخمت الشرعية اليمنية في الرياض على نحو لم يكن بحسبان السعودية ذاتها . بل أن الشرعية الهاربة وجدت في الإقامة بالمملكة السعودية فرصة سانحة للانتقام الناعم من مضيفتها وحليفها اللدود ولسان حالها يقول: هاهي اليمن كلها بين ايديكم فاعملوا كل ما تشاؤون بها. أما نحن فقد فضلنا الهرب حقنا لدماء اليمنيين ولن نحارب أهلنا في صنعاء.

ثانيا: قوة حوثية فتية جرى تدريبها لمدة عشرين عام على فنون القتال في صعدة. لديها رأية إيديولوجية طائفية مدعومة من إيران وهي امتدادا للمؤسسة الزيدية التقليدية التي حكمت اليمن الشمالي قرابة الف عام. تلك القوة الإنقلابية هي التي أخذت صنعاء العاصمة في بضعة أيام وبسطت نفوذها العسكري جنوبا وشمالا في بضعة أشهر؛ مستقلة الفراغ السياسي الذي تركته الحكومة الشرعية الهاربة وأحزابها وجيوشها التي كان يتركز نفوذها الشرعي في الشمال بعد انتفاضة الجنوب منذ ١٩٩٤. وهي بذلك تركت اليمن كله تحت رحمة المليشيات الحوثية الإنقلابية الفتية التي لم يكون للملكة السعودية دورا ظاهرا في تشكلها بل كان دورها خفيا في تفعيلها وإنضاجها منذ زمن طويل عبد الضرب على المعتقد المذهبي بتأسيس معهد دماج السلفي في قلب الجغرافيا الزيدية ومعقلها التاريخي ( صعدة ) وكما نعلم أن الضرب على المعتقدات المقدسة بغرض إنهاءها يشبه الضرب على رأس المسمار في جذع شجرة كما ضربته بالشاكوش كلما توغل في جذعها😳 لم يكن احد يسمع بالحوثية والمسيرة القرائية وانصار الله والشباب المؤمن الا بعد تأسيس معهد دماج وما شابه. فضلا عن مشاركة المملكة العربية السعودية في حروب صعدة التدريبية السبعة قبل سقوط الجمهورية اليمنية التي أنجبتها ثورة 26 سبتمبر 1962م وكانت المملكة السعودية من أشد اعدائها بل دعمت الإمام البدر والعائلة التي كانت مالكة الأمر في صنعاء؛ دعمتها بالمال والسلاح ضد الثورة ودخلت في حرب ضروس مع جمهورية مصر العربية لمدة ثمانية سنوات قتل فيها من الجيش المصر عشرات الآلاف من الجنوب والضباط ومن اليمنيين المدعومين من المملكة أضعاف مضاعفة. علما بان تلك العائلة المتوكلية المالكة التي دعمتها المملكة هي سلف الحركة الحوثية التي تحمل رايتها في استعادة الحق الهاشمي بالبيضة اليمنية ولا اعتقد أن المملكة تجهل هذه الحقيقة التي تفقأ 👁 الصقر!
والأيام القادمة سوف تكشف الكثير من خفايا واسرار الحرب اليمنية والتحالف والشرعية والحوثية والانتقالية واشياء أخرى. ما علينا من السياسة
فضلا أنها شكلت اقصد المملكة العربية السعودية النخب اليمنية الشمالية التقليدية منذ ستينيات القرن الماضي وبعضها شكلتها بعد الوحدة ومنها الاشتراكي اليمني. ولما كانت المليشيات الحوثية تتناغم مع إيران الشيعية ومشروعها الاستراتيجي التوسعي بالمنطقة العربية كانت السعودية تعتبرها أو يفترض أن تعتبرها قوة معادية يجب سحقها بالمهد. فكانت العاصفة (عاصفة الحزم) هي خيار الضرورة والاستجابة العاجلة على تحدي صنعاء الجديد ولكنها كانت استجابة غير مدروسة ولامحسوبة النتائج وربما عولت المملكة على الشرعية اليمنية في تحقيق أهداف العاصفة المتمثلة بسحق الحركة الحوثية وهزيمتها في صنعاء وإعادة الشرعية الهاربة إليها في بضعة أسابيع على أكثر تقدير كما اعلن قائد العاصفة حينها العسيري إذ لم تخني الذاكرة!
ثالثا: قوة المقاومة الجنوبية المدنية السلمية؛ التي فرضت عليها الحرب الحوثية العفاشية وشكلتها قوة مسلحة ضاربة تمكنت من التصدي للغزوة الحوثية العفاشية الثانية وهزيمتها في معظم محافظات الجنوب اليمني في بضعة أشهر. تلك القوة لم تعرها المملكة السعودية ولا دول الخليج أهمية في السنوات الماضية. غير ان الأمور سارت بغير ما كان يشتهي السائق ! إذ تبين أن معظم محافظات الشمال استسلمت سريعا للقوى الإنقلابية الحوثية ولم تنهضها الضربات العسكرية الجوية كما كان متوقع من العاصفة ! وعلى العكس كان الموقف في الجنوب الذي آباء الإخضاع والاستسلام لتلك القوى الغازية وقاوم الاجتياح بكل ما لديه من قوة منذ اليوم الأول وقبل العاصفة. لكن للأسف بقى الجنوب المحرر على مدى السنوات الماضية منذ التحرير عام 2015م ورغم أن المقاومة الجنوبية خاضت تجربة الحرب وما تزال دون اتفاق مكتوب أو عقد معلن بينها وبين الشرعية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الا أن المؤكد أنها تعتبر ذاتها شريكا اساسياً معها كما أن الشرعية والتحالف يعتقدان بهذا الاتفاق غير المكتوب ولكنه متجسدا في الواقع العملي ويستحيل أنكاره أبداً! والسؤال هو من الذي يحاول التنكر للأخر ؟والسؤال هنا للأخوة الذين يقولون ان جيش الشرعية وقوى التحالف العربية هي التي حققت انتصارات عدن والضالع والعند ولحج ويذكرون على استحياء المقاومة الشعبية اليمنية ! وليست الجنوبية السؤال هو ما دام جيش الشرعية والمقاومة الشعبية وقوى التحالف هي التي يعود لها الفضل بتحقيق تلك الانتصارات لماذا لم تتحقق تلك الانتصارات في المحافظات الشمالية التي تم دعمها منذ بداية الحرب بكل ما تحتاجه للمقاومة ؟ لماذا انتصرت المقاومة فقط في الجنوب ؟! سؤال يحتاج الى بحث دقيق ومنصف ومحايد من الجميع ولا تجدي هنا الكلمات العامة والشعارات الفضفاضة واللعب بالكلمات والأخبار التي تتجاهل الحقائق والوقائع الفعلية المتنضدة هنا وعلى الارض والتي يعرفها الناس ويعيشونها ﻟﺤﻈﺔ بلحظة ! وليس ما هو اصعب من إقناع الناس ودفعهم للحرب والمقاومة اذا كانوا هم لا يمتلكونها هذه الدوافع في اعماقهم ! ومن الخطر تجاهل هذه الدوافع أو تغييبها أو تزويرها الان وفي لحظة التسويات الأخيرة التي يروج لها في مسقط 😳فإذا ما شعر الجنوبيون ان مقاومتهم وانتصارتهم يتم تأويلها وتوظيفها لصالح اهداف وغايات غير أهدافهم فربما ينتابهم الإحباط والنكوص وليس هناك من قوة كفيلة بهزيمة المحاربين اكثر من الإحباط وفقدان الأمل ! ولماذا كل هذا الهرج والمرج بشأن علاقة الشركاء الثلاثة في حربهما ضد طرفي الحرب الانقلابيين في صنعاء؟ ومن الذي يخسر إذا تفككت هذا الشراكة كما يحاول البعض! المقاومة الجنوبية حتى الان مازالت تعتبر ذاتها شريكا أساسي مع الشرعية والتحالف وتعلن ذالك بالقول والفعل ولم يظهر منها إي موقف أخر ، والتحالف العربي ما زال يثق بالمقاومة الجنوبية ويستقبلها في دوله ويدعمها، لكن الشرعية اليمنية ومن وكر المقاومة الجنوبية عدن الصابرة تحاول عبثاً عدم الاعتراف بالمقاومة الجنوبية بوصفها شريكاً فعالاً في الحرب واستحقاقاتها، وهذا ما دفع المقاومة الجنوبية للعمل على تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي على عجلة من أمرها بدعم بعض دول التحالف العربي ! الا يحق للجنوب والمقاومة الجنوبية أن يكون شريكاً في الحرب واستحقاقاتها السياسية أم هو شريك فقط بالتضحية والتدمير والخسارة ؟! بينما تعترف الشرعية اليمنية منذ بداية الحرب بطرفين أساسيين للقوى الانقلابية بصنعاء طرف يمثل المليشيات الحوثية وطرف يمثل النظام المخلوع! واذا كانت الشرعية اليمنية تعتبر ذاتها شرعية الجمهورية اليمنية الموحدة اليس من صالحها أن تعترف بطرف واحد يمثل الجنوب وشعبه وقضيته وهي تعلم علم اليقين جذور القضية وتاريخها وعدالتها! وما الذي يكسبه الجنوب والمقاومة الجنوبية من هذا الشراكة والمقاومة والحرب والانتصار والتحرير إذ ترك هذه الفرصة تمر مرور الكرام ودون اعتراف الاطراف الفاعلة له بالشراكة واستحقاقاتها؟! وما الذي تكسبه الشرعية والتحالف العربي إذا تنكرت للجنوب المنتصر واستحقاقاته ؟ بالنسبة للمقاومة الجنوبية لا توجد خيارات ممكنة فإما أن تكسب المعركة السياسية وتنتزع الاعتراف والإنصاف العلني من القوى الفاعلة بوصفها طرفاً فاعلاً في الأزمة اليمنية وإما أن يعود الجنوب الى مكان عليه قبل الحرب مقاوماً سلمياً من أجل حريته واستقلاله ! ولكن الشرعية اليمنية ودولة التحالف العربي هي من يخسر كل شيء إذا ما قرر الجنوب الحياد السلبي كما فعلت الكثير من المناطق الشمالية ؟! اليس من الاجدر بالشرعية والتحالف أن تنتصر لسندها وناصرها الوحيد الأكيد في حربها الطويلة ضد اعداءها المتمترسين في صنعاء البعيدة ؟! وحتى لو تمكنت الشرعية اليمنية من هزيمة الجنوب واخضاعة بما تمتلكه من قوى كامنة -رغم أن ذلك الاحتمال عسير المنال الان -هل يَصْب ذلك في مصلحة حربها ودول التحالف العربي مع صنعاء الحوثية المتمردة ؟! على الجميع أن يعلم أن القضية الجنوبية هي الجذر العميق للأزمة اليمنية وتداعياتها الكارثية وأن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تستدعي من جميع الأطراف والنخب الفاعلة البحث الجاد في السبل الممكنة لحلها حلاً جذرياً قبل التفكير باي شيء أخر! ولكل من يحاول العزف على وتر أوجاع الماضي والنفخ في كيرها نقول: العب غيرها! حروب الجنوب ونزاعاته السابقة كانت مدفوعة بحوافز أيديولوجية دغمائية مستوردة ولم تعد قائمة اليوم في الجنوب المتصالح مع ذاته وماضيه والمتسامح مع بعضه ومع غيره، ذهب السحر المؤذي وكل ما يشاع لا يعد أكثر من فقاعات صابون ! تفرد الحوثي بالسيطرة على صنعاء عاصمة الشمال وما حواليها من المحافظات الشمالية وتفرد أخوان اليمن بالسيطرة على مأرب الشمالية، ولابد للمقاومة الجنوبية أن تستعيد عدن المخطوفة ولا خيارات بديلة. فماذا بوسع اللمملكة عملة في مسقط الوشيكة؟ وكيف يمكنها التعامل مع القوى الجديدة؟ واتذكر أننا سبق وأن نبهنا وكتبنا عن تلك النتائج المتمخضة في قبيل العاصفة بأيام في ندوة مركز الشرق لصناعة القرار بدول مجلس التعاون الخليجي في دبي عقدت بعنوان ( اليمن الى اين؟) لكن للأسف لم يجد تنبيهنا آذانا صاغية! فسادت الاوهام وغيبت الحقائق. واليكم رابط ورقتي المقدمة في ندوة اليمن الى اين ؟ بتاريخ ١٨ مارس ٢٠١٥م