أخبار الجنوبتقارير وتحقيقاتمقالات

الضالع : عنواناً مقدّسًا في جوف المخطوطات وفكر الرواةِ المؤرخين..

لحج الغد _ الصقر الهدياني

رُبَّما مرّتْ في شريط الأخبار مدينة الضالع الجنوبية التي تربّى الشموخ في عزها فتخيلتُ صورتها كفارسٍ مدججٍ يقطر الدم من أطرافهِ ضاحكاً بين الجثث .. الشموخ هنا وكرامة البشري يصوغان بطلاً تمور فيه دوامات سيكلوجية لتحدث تداخلاً عجيباً بين الأزمنةِ، وتدفع إلى القمة فكرة الركون التاريخي، فالضالع اليوم عنواناً مقدّسًا في جوف المخطوطات وفكر الرواةِ المؤرخين.
لا بأس أن أعترف وأنتم تتصورني شيخاً وقوراً يهدي إلى الغواية، ويتسلل من ثنياتٍ تتجلّى عندها أفئدة رخوة خاشعة ومُتسلّبة، لا بأس أن يصل بي تخليدها إلى مفترقٍ غير محدد يقع بين رمادها، والشغف المتواصل مع جناتِ المولى الرحيم عن طريق إهراق دم المجوس على حدود مسقط رأس الشوبجي.

هاهو المحارب الشجاع منتشر في ملامح هذه المدينة السمراء على هيئة عفريت أخضر العينين ولم يعد بحاجةِ إلى طريقة القتال البدائي لممارسة وظيفته الأزلية في العفرتةِ والتمرُّد مع كل تصدٍّ مُباغت؛ كما أنّهُ تخلى عن ألقابه التاريخية المسرودة في صُحف السلام وفهارس الانتظار، فقد استنسخته الحرب إلى نصرٍ مبين سريع بصورةِ مثالية.

تمُرّ رمزية الضالع البطلة، حيث توضأ البطل قبل أن يقرأ فاتحته الأولى، ليس بالسريانية ولكن بلغة الحرية والإنسان الكريم.
هذا الفارس الضالعي الأشد فتكاً من نسخهِ التاريخية فقد أخرج من سراديب الذاكرة المتوارثة خيول الطوائف مستخدماً فلسفة النار لمعالجةِ اللفائفِ الغائرةِ في اللاوعي التاريخي، لينفذ إلى كيانات كبيرة وعلماء النضال وتقنيات السياسة الموحشة ويخلطها لينتج كل هذا الاعتزاز الذي يهدد بإنتهاء الذل والاستهانة، ويصنع حاضراً عروبياً بطريقتهِ المعاصرة.

اليوم أجواء الضالع الجنوبية منقحة من البارود والدم، وأنا أراقب هذا الانفلات الشتوي وكأنه يشد الرحيل نحو فوضى فصولية فينتج عنها فصلاً هجيناً تتداخل في يومه الواحد كل ملامح التاريخ الأبي.