قدمنا شهداء
لحج الغد – أحمد ناصر حميدان
الله سبحانه وتعالى كرم كل من قدم دمه وروحه من اجل اعلاء الحق شهيدا، وللأسف أصبحت اليوم الشهادة وسام تتباهى فيه اسرة الشهيد وقبيلته (قدمنا شهداء)، لتحصد مكاسب ومغانم لا تستحقها.
الشهادة وسام يناله كل من دفع دمه وروحه ثمنا باهظا بنفس راضية، من اجل هدف يجله قومه، وماهي الأهداف التي نجلها؟، وما هي القيم التي حثنا الله سبحانه وتعالى على الالتزام بها لنصف من قُتل لأجل اعلائها شهيدا؟
الشهادة يا قوم تكريم ألهى، بقوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون) صدق الله العظيم ، هو اعلم بنوايا النفوس، وكرامة الشهيد عند ربه، وما يحدث من تكريم بشري للشهيد، فهو رمزي، يحصده أبنائه واسرته في غيابه، والمؤسف ان يتحول ذلك الحصاد لوسيلة ابتزاز للمجتمع وللدولة، لتبحث تلك الاسرة والقبيلة التي ينتمي لها الشهيد على مزيدا من المكاسب والمغانم، على حساب الاخرين، وخرق القانون وتعطيل العدالة والحق، بل تصل للاستيلاء على حقوق الناس، وتعطيل مصلحهم، حتى صار البعض يتباهى بعدد شهداء الاسرة بطريقة فجة، ليحصل اكبر عدد من الاسرة والقبيلة على مناصب ومكاسب ومغانم.
ضحى الشهيد بدمه وروحه من اجل ان تعلو دولة النظام والقانون والعدالة والحق، واهم أسسها هو الكفاءات والمهنية في تربع الوظيفة، والتوزيع العادل للثروة والمكاسب، دولة يحكمها دستور وقوانيين، وتضبطها قيم عليا ومبادئ واخلاقيات، ويأتي من يعيشون اليوم على دماء الشهداء وتضحياتهم، ليهدوا تلك القيم والمبادئ والاخلاقيات، في ابتزاز المجتمع والدولة بانهم قدموا شهداء اكثر من غيرهم ، في سقوط قيمي واخلاقي لا مثيل له منذ التحرر من الاستعمار والاقطاع والإمامة، مما شوه تاريخ ونضال الشهداء، ولو عاد الشهيد بقدرة إلهية للحياة لتبراء منهم ومن أعمالهم.
اتركوا الشهداء ينامون بهدوء وينعمون بشهاداتهم عند ربهم يرزقون، واجعلوا تضحياتهم نموذجا راقيا للمجتمع، راس مالهم الشهادة ولا غير الشهادة، واحتذوا بنضالهم ان كنتم مؤمنين بتضحياتهم الجليلة، فلا تنغصوا من شهادتهم.
الابتزاز باسم الشهداء جريمة، يفترض يحاسب عليها القانون، وبما ان القانون اليوم معطل، فالفوضى هي من تحكم وتسمح لكل مسيء وسيء يتطاول على كل شي، وعلى نضال وتضحيات الشهداء تطاول عكر الواقع بالرداءة الغير مسبوقة.
رداءة تغذي الكره بين أبناء الشعب في الوطن الواحد والأمة العربية والإسلامية، بل بين أبناء القبائل والعشائر، حينما تصبح الشهادة وسام للتفاخر، ويصبح الاحتقار للأخر وسيلة من وسائل التباهي بالشهادة، ومع تطور هذه الثقافة الرديئة تنتشر الانتهاكات، وتحتاج لمعتقلات وخطف ومداهمات على الهوية، ممارسات مخجلة تستدعي سجون سرية لتواري الاذى، وبذلك يصبح الضعيف ضحية، من لا سند قبلي له ولا سلطة ولا قوة ولا جاه او مال، ضحايا مناطق بذاتها واسر كاملة بنسائها واطفالها وكهولها، ممارسات لا علاقة لها بتضحيات الشهداء واهدافهم الوطنية والإنسانية النبيلة،
هذه الصورة بكل تجليتها وقبحها نشاهدها امام اعيننا في مدينة عدن، ونتحسر على مدينة السلام والثقافة والفكر النير، مدينة احتضنت كل التنوع الثقافي والفكري والعقائدي والتعدد السياسي، بنسيج متسامح ومتعايش، ووعي راقي وحضاري، كل هذا صار اليوم في خبر كان، وحال المدينة يصعب على الكافر، بعد كفر هؤلاء بكل القيم والمبادئ واخلاقيات التي تحلت بها عدن منذ الازل، واليوم يجردونها من قيمها ونبلها واخلاقياتها، للعودة بها لزمن غابر وحال دابر وبؤس والم واذى غير مسبوق.
ولا اعتقد ان الحال سيستمر، عدن تصبر كثيرا على الأذى، وان طفح الكيل ستنتفض وتنفض من على كاهلها كل أذى واذية، وكل ما هو رديء