لحج الغد -قصة #قطار عدن_لحج !!
كتب /. *فيصل علي مليكان كرد*
في عام 1904 تم الاتفاق بين الإنجليز والأتراك على ترسيم الحدود اليمنية بين الأراضي الشمالية التي يسيطر عليها الأتراك والمحميات الجنوبية التي تربطها مع الإنجليز معاهدات الحماية، ولأن هذه الاتفاقية لم تنجح بسبب الخروقات من الأتراك في مهاجمة المناطق الحدودية استدعى الأمر قيام قواعد عسكرية بريطانية في الحدود لردع الأتراك، ونظراً لصعوبة الطريق وما يعانيه الجنود من مشقة للوصول إلى القواعد المقامة في يافع، حيث كانت الوسيلة الوحيدة لنقل المؤن والذخائر هي الجمال والحمير تطلب الأمر مد شبكة من السكة الحديد تربط عدن بالمحميات فتقدمت مقيمية عدن بطلب إلى حكومة الهند لإرسال قطار يسهل مهمة نقل الجنود إلى الحدود وأن تكون المرحلة الأولى من مد شبكة السكة الحديد بطول ستين ميلا يمتد من عدن إلى الحبيلين ثم إلى حدود الضالع.
أرسلت حكومة الهند الخبراء والمهندسين لوضع الدراسات، والبدء بتنفيذ المرحلة الأولى، ثم أرسلت قطاراً عسكرياً قديماً متهالكاً يعمل بالبخار من القواعد العسكرية البريطانية في الهند تم إعادة ترميمه وتشغيله وإرساله إلى عدن.
وفي العام 1906 سيطر حزب الأحرار البريطاني على مقاعد مجلس العموم واعتراض اللورد مورلي على مشروع السكة الحديد من عدن إلى المحميات، كما طالب بسحب القوات البريطانية من الضالع وإلزام الباب العالي باحترام المواثيق والعهود والسير في اتفاقية ترسيم الحدود وعدم الاعتداء على المحميات.
توقف العمل بمشروع السكة الحديد، وسحبت القوات البريطانية من الحدود فبادر سلطان لحج أحمد فضل العبدلي بطلب إلى مقيمية عدن للشراكة معه واستمرار تنفيذ مشروع السكة الحديد إلى لحج، الأمر الذي رفضته مقيمية عدن باعتباره مخالفاً للتوجيهات، لكن السلطان لم ييأس وعاود طلبه مع شركة كاوجي شو وهي شركة تجارية أنشئت بعد فتح قناة السويس عام 1856 وتقوم بتزويد السفن والبواخر بمحتاجاتها من المؤن الغذائية والماء والصيانة في ميناء عدن.
رحب صاحب الشركة بالمشروع ويعرف عند أهل لحج «بالفارسي» اشترى شبكة السكة الحديد والقطار من مقيمية عدن وتحول القطار من قطار عسكري إلى قطار تجاري مدني لنقل الركاب والبضائع والمواشي والماء من لحج إلى عدن، واستمر العمل في مد السكة الحديد إلى الحوطة وإلى قرية الخداد التي تبعد عن الحوطة بستة أميال، حيث توجد المزارع ومخازن الحبوب وآبار المياه العذبة.
أخذت العلاقة بين الشركة وسلطان لحج مجالاً أوسع، حيث قدمت الشركة منحة مالية للسلطان مقابل توسيع الرقعة الزراعية وإصلاح القنوات، والهدف منه زيادة إنتاج الحبوب والخضار والفواكه لتلبية متطلبات السوق التجارية والسفن والبواخر وكذا القواعد الإنجليزية التي كانت الشركة متعهدة بها، كما قدمت البذور المحسنة والأسمدة والإرشاد الزراعي المتطور من خلال الخبراء وجلب بعض الخضار والفواكه من مصر وسوريا والهند، وقدمت منحة مالية متعددة الأغراض منها حفر الآبار الارتوازية في قرية الخداد ليتم تزويد مدينة عدن والقواعد الإنجليزية والبواخر بالمياه العذبة النقية بدلاً عن مياه الشيخ عثمان التي كان يتزود منها أهل عدن وفيها نسبة من الملوحة.
في عام 1909 علم السلطان أحمد فضل العبدلي أن ألمانيا وتركيا عازمتان على مد شبكة من السكة الحديد في العديد من الأقطار العربية التي تقع تحت سيطرة الدولة العثمانية الهدف منه سهولة نقل الجنود الأتراك والتبادل التجاري ونقل الحجاج إلى مكة المكرمة فأرسل السيد حسن علي الجفري إلى مكة للالتقاء بشريف مكة وملك الحجاز الحسين بن علي يطلب منه التوسط لدى العثمانيين لمد شبكة السكة الحديد إلى تعز مقابل أن يقوم هو بطلب من شركة جاوكي بمواصلة السكة الحديد إلى تعز لتنشيط التجارة وتسهيل سفر الحجاج إلى مكة.
عاد السيد حسن بن علي الجفري، ولم يحصل على الموافقة، وفي مارس 1914 توفي السلطان أحمد فضل بمرض السكر قبل أن يرى حلمه في مشروع السكة الحديد الذي توقف العمل فيه بسبب قيام الحرب العالمية الأولى ودخول الأتراك لحج.. وقد وصل مد سكة الحديد إلى منطقة صبر وفي العام 1918م توقفت الحرب وخرج الأتراك من لحج فعادت شركة البنجاب الهندية الشركة المنفذة للمشروع لمواصلة تنفيذ ما تبقى من مشروع السكة الحديد بعد إعادة تجديد الاتفاق مع السلطان عبدالكريم فضل. انتهى العمل بالمشروع في العام 1921 إلى منطقة الخداد وبدأ تشغيل القطار في مطلع العام 1922.
يتكون القطار من عربة درجة أولى لكبار الشخصيات والضيوف القادمين إلى لحج ومقصورتين درجة أولى ودرجة ثانية بها حيز للخدم وعمال القطار، وخمس مركبات لنقل الماشية والحبوب والخضار والفواكه والأعلاف، وعربتين درجة ثالثة لنقل الركاب والسلع الأخرى وخزانات للمياه.. خط سيره ونقاط توقفه يبدأ من مرسى المعلا المحطة الرئيسية مروراً بالمملاح، ثم نقطة الشيخ عثمان ونقطة دار الأمير (دار سعد) وصبر، ثم نقطة الحوطة وانتهاءً بنقطة الخداد، ولقدمه وتهالك عرباته كانت مصروفاته تزيد عن إيراداته.
في العام -1923 1924 كانت الإيرادات للقطار 201593 ربية بينما المصروف للقطار 266564 ربية.
وفي العام 1925 كانت الإيرادات 182513 ربية بينما المصروفات 197541 ربية.
في العام 1926 بلغت الإيرادات 139094 ربية، والمصروفات 199094 ربية.
في العام 1927 بلغت الإيردات 799141 ربية، والمصروفات 232874 ربية.
في العام 1928 بلغت الإيرادات 131718 ربية، والمصروفات257431 ربية.
ركبه الرحالة والأديب الأمريكي من أصل لبناني أمين الريحاني الذي وصفه بقوله:«ركبنا من محطة عدن قطاراً عسكرياً خطه ضيق وعرباته قديمة جيء به من الهند وقاطراته أثر من آثار في تاريخ البخار فرقصت بنا وهي تترجرج وتقرقع في أرض سبخة قريبة من البحر، ومرت في ركام من الملح ثم بواحة الشيخ عثمان بين صفوف مقاهيها ومنها إلى دار الأمير ثم صبر وجلاجل ونوية الهراني والحوطة ويمتد خطه إلى قرية الخداد في مسافة عشرين ميلاً من المعلا إلى الحوطة قطعنا الطريق في ساعتين».
يعرف القطار عند أهالي لحج باسم «الريل» خطه الشارع الرئيسي، ركبه الصحفي الإنجليزي (أبونتي) وأخذ صورة تذكارية لسكة الحديد.
توقف العمل بالقطار عام 1928 ونقلت مركباته وقضبانه إلى الهند. دخلت السيارات لحج عام 1925 كتب الشاعر والأديب الأمير أحمد فضل العبدلي (القمندان) قصيدة مهداة إلى صديقه السيد عبدالكريم حسن علي عجمي من العراق ويعمل ترجمان السلطان عبدالكريم فضل. يقول القمندان في القصيدة:
ياكتابي سير في البحر العظيم
لا تعرج بالسراط المستقيم
واهبط البصرة على عبدالكريم
بلّغه ياخطنا منا السلام
قول له جيناك شوق معنا خبر
كم وقع في الأرض هذه من عبر
قلعوا السكة الحديد ولا خلو أثر
قال ويدرون ما يسمع كلام
كما تخابرنا وسوينا بصر
الفرنجي ما رضي يسمع خبر
كملت الحيلة وضيعنا الفكر
وعن اللحم اكتفينا بالطعام
يوم جانا الفورد يمشي في الردف
كلنا من قهوجي نأخذ سلف
والمخارج بايخارج بالصدف
اركبوا باب الكري سبق وقام
حملوا الركاب فيها أربعين
كأنها قصعة حشوها صاردين
هكذا قانونا يامسلمين
في مواترنا مصيبة وازدحام
تبصر الموتر حنينه مفجه
حمله مولاه لما شبعه
صدهم ريني من الأمر النكير
شاف ريني جورهم لما بكى
قال ياربي إليك المشتكى
بطلوا القانون وافتك الوكى
دايم في الاستان مايبرأ خصام
هل تشأ من بعد هذا أن نزيد
قد دخلنا اليوم في العصر الجديد