هل نحن على أعتاب حرب في البحر الأحمر ؟
لحج الغد –
تحليل يبحث في بوادر حرب جديدة تبدو مؤشراتها بالتشكل في البحر الأحمر..
ماذا لو أغلق مضيق باب المندب.. وهل يتدخل الغرب لمنع إغلاقه؟
ماذا لو أضيفت حرب جديدة إلى اليمن.. كيف سيواجه اليمنيون هذا الوضع؟
كيف سيكون شكل أي تدخل عسكري ضد الحوثيين؟
ما موقف الحكومة الشرعية والتحالف مما يحدث؟
عملية السلام في اليمن.. هل تذهب مع الريح؟
حرب البحار تعصف بعملية السلام.
(عدن الغد) القسم السياسي:
لم يعرف مضيق باب المندب على امتداد تاريخه إغلاقا كاملا لحركة الملاحة عبره إلا بسبب حربين عُظمتين شهدتهما المنطقة، بين إسرائيل والدول العربية، الأولى كانت في يونيو/ حزيران عام 1967 والأخرى في أكتوبر/ تشرين أول عام 1973؛ نتج عنهما إغلاق قناة السويس الذي استمر حتى عام 1975.
وبالتالي فإن الحركة الملاحية في مضيق باب المندب توقفت حينها بشكل كامل، كون هذا المضيق لا يمكن أن يكون له أهمية إلا بقناة السويس في مصر، ولم تكن سوى الحرب هي السبب الوحيد وراء هذا الإغلاق الذي لم تشهده المنطقة حتى في حروب الخليج المتتالية، كونه ممرا دوليا حيويا يحتاجه العالم لتدفق تجارته.
لكن هذا الممر الهام بالنسبة للعالم بات اليوم مهددا مرة أخرى بالتوقف، عقب الهجمات الحوثية الأخيرة على السفن التجارية في البحر الأحمر، المرتبطة بإسرائيل، وهو ما أقدمت عليه مليشيات الحوثي نصرة للفلسطينيين في غزة كما تزعم، غير أن هذا التوقف المتوقع لن يكون بسبب هجمات الحوثيين فقط، ولكن أيضا بسبب التبعات المتوقعة لهذه الهجمات.
فمضيق باب المندب ممر تجاري يهم العالم، وتوقفه يعني شللا للاقتصاد العالم المترنح، وبالتالي فإن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لن تسمح لأمر كهذا بالحدوث، عطفا على تأثيراته الجادة على التجارة العالمية، رغم أن بعض المحللين يرون إمكانية أن تنجر منطقة البحر الأحمر إلى حرب مفتوحة بسبب تهديدات الحوثيين بإغلاق باب المندب.
وهذه جميعها احتمالات ممكنة وواردة؛ نتيجة الممارسات الحوثية المتواصلة، والتي لا يمكن توقع توقفها على المدى القريب، خاصة وأنها تلقى دعما إيرانيا للتلاعب في الأوراق السياسية في المنطقة وخلطها، وهو أمر يستفز القوى الغربية والدولية، خاصة أن إيران ترى أن الفرصة سانحة أمامها للعودة مجددا إلى باب المندب عبر أداتها الحوثية، وهو ما لم يتحقق بعد تحرير المحافظات الجنوبية والساحل الغربي لليمن من الحوثيين.
> حرب البحر الأحمر
أطماع الحوثيين ومن ورائهم إيران في مضيق باب المندب، هي من قد تقود نحو حرب مفتوحة وشاملة في البحر الأحمر مع القوى الغربية، التي لن تسمح بأن تسيطر طهران وصنعاء على باب المندب وتغلقه وتوقف حركة السفن، لكن في المقابل فإن اندلاع حرب في هذه المنطقة يعني أيضا أن باب المندب سيتم إغلاقه، فليس من السهل الدخول بحرب في هذه المنطقة، وهو ما سينعكس بتأثيراته السلبية على الاقتصاد العالمي إذا حدث.
وبعيدا عن وقوف الحوثيين إلى جانب غزة والفلسطينيين ودعمهم من خلال ممارساتهم وهجماتهم بحق السفن في البحر الأحمر، فإن القضية برمتها لا تعدو عن كونها عودة للمواجهات السياسية و “كسر العظم” بين الإيرانيين والأمريكيين، تماما كما حدث في الخليج العربي بين هاتين القوتين، وحينها لن يتوقف أو يعلق مضيق هرمز أبدا، رغم تصاعد الصراع البحري بين واشنطن وطهران.
وبغض النظر عن اندلاع حرب بسبب تهديدات الحوثيين وإغلاق باب المندب، أو السماح للحوثيين بمنع مرور السفن بكل جنسياتها عبر البحر الأحمر، الا أن اللافت في القضية مدى الترابط التاريخي الذي يذكر بسنوات إغلاق باب المندب عقب الحروب العربية مع إسرائيل قبل ما يزيد على نصف عقد من الزمان، وما يواجهه هذا المضيق العام اليوم من تهديدات بالإغلاق.
والرابط هنا هو أن الكيان الإسرائيلي قاسم مشترك في كلا الحالتين والفترتين، كما أن المنفذ والبحر نفسه هو العامل المشترك الآخر، الذي ترتبط تهديدات إغلاقه إلى كارثة اقتصادية عالمية تشبه تلك الكارثة التي عاشها العالم أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي حين أغلق البحر الأحمر أمام حركة الملاحة من شماله في قناة السويس، وجنوبه في باب المندب.
وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي احتاجت مصر، وربما العالم من ورائها، إلى حرب عسكرية للتمهيد لفتح قناة السويس أمام الحركة الملاحية الدولية، وهو ما كان ما بعد حرب عام 1973، الأمر الذي يدفع المحللين والمراقبين إلى ترجيح إمكانية شن حرب واسعة في البحر الأحمر من قبل الغرب ضد الحوثيين وداعميهم لتحرير المنطقة من التهديدات الحوثية، ومنع إغلاق باب المندب تحت ذريعة حماية المصالح العالمية.
> حرب جديدة في اليمن
يعاني اليمن من حرب قاربت عامها التاسع وهي مستمرة، لم تجد من يوقفها أو يكبح جماحها؛ لأسباب إقليمية ودولية عديدة، واحتمالات شن الغرب حربا جديدة ضد الحوثيين لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وهي حرب اليمن بمنأى عنها تماما، في ظل الأوضاع الإنسانية الأسوأ في العالم، التي خلفتها الحرب الطائرة منذ عام 2015.
غير أن إضافة حرب جديدة على كاهل اليمن، سيزيد بطبيعة الحال من الوضع الإنساني في البلاد المنهار أصلا، كما أن حربا كهذه لن تخرج اليمن منها بأية فوائد أو مكاسب مرجوة، بل إن الخسائر تبدو ثقيلة، وقد بدأت بالفعل بوادرها، عقب إعلان الحوثيين منع مرور السفن عبر البحر الأحمر وبحر العرب، ما يعني أنه حتى سفن المساعدات الغذائية ستضل طريقها إلى اليمن.
وبالتالي فإن عدم وصول سفن المساعدات الإغاثية والغذائية معناه أن الفقراء سيزدادون جوعا، وأن وبال الحرب سيكون عميقا ومأساويا لدرجة تغيب عن توقعات الحوثيين الذين يُسعرون لهيبها خدمةً لأجندات إيرانية ويستدعون أوزارها بممارساتهم الدول الغربية لشن هذه الحرب على اليمن لحماية مصالحهم الاقتصادية في المنطقة.
وقد تكتفي الدول الغربية في حربها ضد اليمن، لمنع إغلاق باب المندب، بقصف مصالح الحوثيين ومواقعهم التي تنطلق منها تهديداتهم ضد السفن في البحر الأحمر وضد إسرائيل، وقد لا تفكر بشن حرب تشمل الجانب البري، أو احتلال اليمن كشكل من أشكال تدخلاتها، غير أن أي شكل من أشكال الحرب لن تكون تبعاتها بالهينة أو السهلة، ولكنها ستُلقي بظلالها المؤثرة على كافة جوانب الحياة في اليمن دون أدنى شك.
> موقف الحكومة والتحالف
يرى مراقبون أن ما يجري في البحر الأحمر رسالة واضحة للعالم بمدى خطورة مليشيات الحوثي على السلم والاستقرار العالمي، وليس فقط على استقرار اليمن، ولهذا فإن الممارسات التي يقوم بها الحوثيون تؤكد وتعزز موقف التحالف العربي الذي طالما حذر من خطر الحوثي على المنطقة والعالم، وها هو العالم اليوم يرى كيف أن هذا الخطر تخول إلى كابوس يهدد اقتصاده وتدفق تجاراته.
موقف التحالف العربي من أية تدخلات غربية في اليمن، يتوقع المراقبون أنها ستكون مساندة ومؤيدة، وتتسق مع نظرة التحالف للمليشيات، غير أن ما قد يعيق هذا التأييد هو أن التحالف -السعودية تحديدا- يسعى إلى إبرام تفاهمات السلام مع الحوثيين في اليمن، وأي تدخل عسكري غربي ضد المليشيات قد يؤخر أو يؤجل إن لم يلعب تلك التفاهمات، وتفقد الرياض فرصة إنهاء الحرب في اليمن، وإخماد الجبهة الجنوبية بالنسبة للسعودية.
وبالتالي فإن موقف الشرعية اليمنية لن يكون بعيدا عن موقف التحالف من أي تدخل عسكري، فالحكومة غالبا ما تتماهى مع مواقف المملكة في كافة المواقف، لكن المعضلة في كل هذا أن ثمة جوانب إنسانية وسياسية ستصبح ضحية للحرب العسكرية، والمقصود هنا التسوية السياسية المرتقبة التي توقفت تفاصيلها نتيجة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب.
وهو ما يجعلنا نستقبل أية تفاهمات سياسية بين الحوثيين والشرعية من جانب، والتحالف من جانب آخر، في مهب الريح، في زيادة مؤشرات تعثرها بشكل كامل، وبالتالي بقاء الحرب هي الخيار الوحيد في اليمن، سواءً على جبهات القتال أو في البحار
عن عدن الغد