عربي ودولي

بعد تحذير “الناتو”.. هل وصلت حرب أوكرانيا إلى طريق مسدود؟

اثار تحذير الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، من ضرورة الاستعداد لتلقي “أخبارا سيئة” من أوكرانيا، تساؤلات بشأن مسار الحرب والتي دخلت شهرها الـ 22 على التوالي، دون آفاق قريبة للتوصل إلى تسوية، وبعد الكثير من التقارير التي تحدثت عن فشل الهجوم المضاد الذي كانت تأمل منه كييف في طرد القوات الروسية خارج أراضيها.

ويعتقد محللون عسكريون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الجيش الأوكراني بات أمام تحديات عدّة، خاصة في ظل المعاناة التي يواجهها خلال الشتاء، ومواصلة روسيا لضرباتها الجوية، وهجماتها بطائرات دون طيار، فضلا كون أوروبا عاجزة عن توفير مليون طلقة ذخيرة وعدت بها أوكرانيا قبل عام.

ماذا قال ستولتنبرغ؟
في مقابلة مع قناة “آيه آر دي” التلفزيونية الألمانية، السبت، علّق ستولتنبرغ، على سؤال عما إذا كان يخشى أن يزداد الوضع في أوكرانيا سوءا في المستقبل، بالقول إنه “يتعين علينا أيضا أن نكون مستعدين لتلقي أخبار سيئة”.
أضاف ستولتنبرغ أن “الحروب تتطور على مراحل، ولكن علينا أن ندعم أوكرانيا في الأوقات الجيدة والسيئة على حد سواء”، موضحًا أنه من الضروري تعزيز إنتاج الذخيرة، خاصة بعدما لم تتمكن دول الناتو من تلبية الطلب المتزايد عليها.
أشار إلى أن أوكرانيا الآن في “وضع حرج”، لكنه رفض أن يوصي بما يجب أن تفعله كييف قائلًا: “سأترك الأمر للأوكرانيين والقادة العسكريين لاتخاذ هذه القرارات العملياتية الصعبة”.
اعترف أمين عام الناتو أنه لم تحدث تطورات مهمة في ساحة المعركة خلال الأشهر القليلة الماضية، مضيفًا أن “الحروب بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها، لكننا نعلم أنه كلما زاد دعمنا لأوكرانيا، كلما انتهت الحرب بشكل أسرع”.
صعوبات واسعة

اعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن النتائج المخيبة للآمال لهجوم أوكرانيا المضاد في الصيف، وضغوط الميزانية المحلية، والإمدادات العسكرية غير الكافية، وعلامات التأييد الشعبي المتذبذب، بالإضافة إلى تشتيت الانتباه بعد الحرب في غزة، جاءت كعوامل تتضافر لاستنزاف عزم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بشأن الدعم القوي لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
قالت الصحيفة البريطانية أن تلك العوامل تأتي جنبا إلى جنب مع الشكوك حول قيادة فولاديمير زيلينسكي للمعركة وما يُشاع عن خلاف مع كبار القادة، وتراجع الثقة في حكومته، وانخفاض الروح المعنوية بين عائلات الجنود المعبئين، وكذلك الهجمات الروسية البرية والطائرات بدون طيار على المدنيين وعلى البنية التحتية للطاقة، ما أشعر الكثير من السياسيين الأمريكيين والأوروبيين أن الحرب تبدو وكأنها وصلت لطريق مسدود.
يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه معهد دراسة الحرب إن الظروف الجوية السيئة أبطأت وتيرة القتال “عبر خط المواجهة بأكمله، لكنها لم توقفها تماما”.
في الوقت نفسه، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيادة عدد القوات العسكرية بنحو 170 ألفا ما يضاهي نسبة 15 بالمئة، مما يصل بعدد قوات الجيش الروسي إلى نحو مليون و320 ألف عنصر.
كذلك، أقرت دول الاتحاد الأوروبي بأنها ستكون عاجزة عن توفير مليون طلقة ذخيرة، كانت وعدت بأن تزود بها أوكرانيا التي تحتاج إليها لردع أي تقدم عسكري روسي، ثم استرجاع أراضيها الواقعة تحت سيطرة القوات الروسية.
ويسعى كلا الطرفين إلى تحقيق مكاسب على الأرض قبل توغل الشتاء القارس، مع العمل على إعادة حشد قواتهما في النزاع الذي لم يشهد أي تغيير يذكر على الخطوط الأمامية في الأشهر الأخيرة من الحرب المستمرة لقرابة العامين.
قتال دون نتائج

ومن أوكرانيا، اعتبر الخبير السياسي ورئيس تحرير “أوكرانيا بالعربية”، محمد فرج الله، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أنه إلى حد كبير يمكن التأكيد على أن الحرب وصلت كعمل عسكري إلى مسار مسدود.

لكن “فرج الله” يرى أن ذلك ليس بسبب البرد القارس، إنما حتى قبل انخفاض درجات الحرارة لهذا المستوى، حيث وصلت إلى حالها الراهن قبل شهر عندما أصبح واضحاً تكافؤ القوة بين الجانبين.

وأضاف: “من جانب روسيا، باتت عاجزة منذ أكثر من عام على تحقيق أي نجاح عسكري على الأرض في أوكرانيا بعدما أخذ الجيش الأوكراني زمام المبادرة واستطاع تحرير جزء من الأراضي الأوكرانية المحتلة وتنفيذ خطوط دفاعية جيدة… ومن الجهة الأوكرانية توقف الهجوم المضاد وأصبح في حالة معلقة لأن خطوط الدفاع الروسية التي بُنيت تعد شديدة التعقيد”.

وأشار إلى أن كييف كانت تعول على تسلم مقاتلات “إف 16” قبل نهاية العام، وهو ما لم يحدث؛ لأن الجيش الأوكراني لا زال يفتقر إلى الغطاء الجوي، ودونه لا يمكن أن يحقق نجاحات عسكرية كما كان في السابق ولا يمكن أن يحافظ على تقدمه طالما لم يحظى بهذا الغطاء الجوي.

جنبا إلى جنب مع ذلك -والحديث لا زال موصولاً لفرج الله- لم تحصل أوكرانيا على المليون قذيفة الأوروبية الموعودة، وما وصل 300 ألف قذيفة فقط، في حين هناك استهلاك كبير للقذائف في القتال، وفي المقابل حصلت روسيا على وفرة من الذخائر بتحالفها مع كوريا الشمالية.

وأوضح أن هذا الوضع يمنع أي طرف من تحقيق نجاحات عسكرية على حساب الطرف الآخر، وهذا هو السبب الأساسي لوصول الحرب لهذا الطريق المسدود.
شتاء عصيب

من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الدولية، هاني الجمل، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه في الوقت الذي تدخل فيه الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، تُعيد هذه الأيام الشتوية المزيد من الأوضاع القاسية علي الشعب الأوكراني الذي بدأ يتأهب في الوقت الراهن لفصل شتاء عصيب ليس فقط بسبب شدة البرودة ولكن تحسباً لهجمات روسية عنيفة في جميع أرجاء البلاد.

وأشار إلى أن الجانب الروسي يستغل هذه الظروف الصعبة من أجل تحقيق نجاحات على المستوى الحربي مستغلاً الأوضاع الجغرافية غير المتوازنة في الجبهة الداخلية والتي تشعر المواطن الأوكراني بصعوبة الحياة.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ يزيد من الطين بلّة وجود خلافات كبيرة وتوترات بين الرئيس الأوكراني والقائد العام للجيش، والتي بدت واضحة بعد إقالة زيلينسكي لقائد الوحدة العسكرية الطبية، ومطالبته كذلك بتغييرات ميدانية في صفوف القوات الأوكرانية، وبعد حالة الإنهاك التي بدأت تصيب الجميع في أوكرانيا بعد ما يقرب من عامين من بداية الحرب، وفق “الجمل”.

لكنه أشار إلى أن هذا ما حاولت أوكرانيا تفاديه من خلال التأكيد على أنه لا يوجد طريق مسدود، فالهدف الإستراتيجي لها يتمثل في استعادة كامل أراضيها بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

ولفت الباحث في الشؤون الدولية إلى أن تلك الحالة التي وصل إليها الجانب الأوكراني والتي يأتي على رأسها الخسارة الفادحة التي تتكبدها القوات الأوكرانية في ساحة القتال منذ بداية الحرب، وتراجع المساعدات العسكرية التي تقدمها الدول الغربية لأوكرانيا على أمل تحقيق النصر على الجانب الروسي، دفعت العديد من الأصوات داخل أوكرانيا إلى المطالبة والتفكير جدياً في وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات من أجل وضع نهاية لتلك الحرب على الرغم من اعترافهم أن تلك المفاوضات سوف تصب بلا أدنى شك في صالح روسيا.

ويعتقد الجمل أن العمليات الروسية ستستمر ضد أوكرانيا باستراتيجية الضربات عن بعد خاصة أن روسيا مستعدة لمواجهة جوية باستخدام صواريخ من مختلف الطرازات، والمدى النيراني من خلال الطائرات دون طيار محلية الصنع والواردة من دول صديقة لموسكو.