“لحج: في زحام المعاناة، الثلج يصبح حلم النجاة في صيف لا يرحم”
لحج الغد/خاص/أدهم الصماتي.
في مشهد يلخص معاناة محافظة بأكملها، تتزاحم أقدام المواطنين وتتقاطع نظراتهم أمام عربة بسيطة يقف خلفها رجل بات يُعرف اليوم بأنه “الوحيد الذي يبيع الثلج في لحج”. في ظل شمس ملتهبة وحرارة خانقة، لا يجد المواطنون أمامهم سوى خيار واحد لمواجهة القيظ القاتل: قطعة من الثلج.
على مرأى من الجميع، تشهد عربة الثلج الوحيدة في المدينة زحامًا غير مسبوق. رجال ونساء، كبار وصغار، يصطفون في طابور طويل تحت أشعة الشمس الحارقة، منتظرين دورهم للحصول على ما أصبح يُعد سلعة نادرة، بل حلمًا: قالب ثلج.
تحوّل الثلج في لحج إلى رمز للنجاة، بل أصبح معيارًا جديدًا للرفاه. يقول أحد المواطنين بمرارة: “إذا ملكتَ قالب ثلج في هذه الأيام، فأنت أحسن واحد”. بهذه الكلمات البسيطة، عبّر عن واقع مؤلم يعكس حجم المعاناة اليومية التي يعيشها أبناء المحافظة، في ظل انعدام شبه تام للكهرباء، وغياب أي حلول جذرية تخفف من لهيب الصيف القاسي.
منذ أسابيع، تعيش محافظة لحج على وقع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، تجاوزت في بعض المناطق اليوم بأكمله. لم تعد المراوح تُدوّر، ولا المكيفات تُنعش الأجساد المنهكة، بل أصبح المواطن محاصرًا بالحرّ من كل اتجاه، دون مفر، سوى قطعة ثلج يشتريها بأضعاف ثمنها المعتاد، إن استطاع الوصول إليها.
لا يُخفي المواطنون سخطهم على الوضع الراهن، فبين الغلاء المستمر وتدهور الخدمات الأساسية، يجدون أنفسهم مضطرين لمصارعة الحياة بأبسط الوسائل. “حسبنا الله ونعم الوكيل في من أوصل حالنا إلى هذا المستوى”، يرددها الكثيرون بوجع، وقد باتت هذه العبارة لازمة يتداولها الجميع، تعبيرًا عن الغضب والحزن والانكسار في آن واحد.
وسط هذه الأزمة، لا تزال الجهات المعنية عاجزة أو غير مبالية، في نظر المواطن، بحل أزمة الكهرباء التي أرهقتهم سنويًا، ومع بداية كل صيف تتكرر المأساة. وبينما تنشغل الجهات الرسمية بالتصريحات والتبريرات، تزداد طوابير الثلج، وتطول ساعات الانتظار، وترتفع صرخات الناس طلبًا للرحمة، لا أكثر.
لحج اليوم تقف على حافة الغليان، لا فقط بسبب الحر، ولكن أيضًا نتيجة الإهمال المزمن. رجل يبيع الثلج قد لا يبدو بطلاً في زمن الوفرة، لكنه اليوم أصبح المنقذ الوحيد لأرواح تتصبب عرقًا، تحلم بكهرباء، وتكتفي مؤقتًا بقالب يذوب بين أيديها، كما تذوب ثقتها بمن خذلها مرارًا.